مَن قتل لقمان سليم ؟ فرضية واحدة وهوامش كثيرة

مشهد متخيل:

“أنهى لقمان سليم عشاءه برفقة أصدقائه في قرية الجنوبية وغادر منزلهم عند الساعة الثامنة والنصف مساءً. قاد سيارته عائداً إلى بيروت مسافة ثلاثمئة متر، حين اعترضت طريقه سيارة دفع رباعي سوداء وأجبرته على التوقف”.

“ترجل من السيارة رجلان ووجها إليه مسدساتهما، أجبراه على فتح الأبواب، صعد الرجل الأول إلى جانبه وجلس الثاني على المقعد الخلفي وسط حال من الذهول والخوف، أخذ الرجل في المقدمة هاتف لقمان ورماه من النافذة ثم أمره بالتقدم”.

“قاد سيارته بضعة  كيلومترات حتى طريق فرعي في منطقة العدوسية، تتبعه السيارة السوداء رباعية الدفع، أمراه بالتوقف إلى جانب طريق فرعية ثم بدأ الرجل الجالس إلى جانبه بطرح الأسئلة. حين رفض لقمان الإجابة، بدأوا بصفعه وتعذيبه. استمر التحقيق حتى الساعة الواحدة ليلاً، ولا بد أنه استفزهم بإجاباته، رافضاً اعطاءهم ما أتوا لأجله”…

“أصيب المحقق بالحنق الشديد، لقّم مسدسه ووجّهه إلى لقمان الذي أشاح بوجهه، محاولاً الهرب وتفادي الإصابة التي لا مفرّ منها، ردّ فعل غريزي لدى أي إنسان. بدأ المحقق الغاضب بإطلاق الرصاص دون توقف. خمس رصاصات اخترقت رأسه وواحدة أصابت ظهره. تركوه جثة هامدة. استقلوا السيارة السوداء رباعية الدفع وغادروا”.

هذا المشهد عبارة عن سيناريو متخيل للساعات الأخيرة التي عاشها لقمان سليم قبل أن يُقتل، بناء على ما تسرّب من مسرح الجريمة، إلى الإعلام والشبكات الاجتماعية حتى الآن. كثيرون لم يسمعوا باسمه من قبل، لكن معظم هؤلاء أصابهم تأثير لقمان بشكل أو بآخر، ربما عبر قراءة أحداث لبنانية وثّقها “مركز أمم للأبحاث والتوثيق” الذي حاول جمع شتات الذاكرة اللبنانية خلال الحرب الأهلية، أو عبر قراءة الكتب التي يصدرها “دار الجديد للنشر”، أو عبر مشاهدة الأفلام التي أنتجها لقمان أو شارك بإنتاجها. 

من هو القاتل ؟

فرضيات عديدة تدور حول الجهة التي استفادت ونفذت عملية اغتيال لقمان سليم، وكلها وردت ضمن تغريدات في مواقع التواصل التي انقسمت بين ميال لهذه الفرضية أو تلك.

الفرضية الأولى

هي أن يكون هناك خلاف شخصي بينه وبين شخص آخر لسبب من الأسباب. لكن هذه الفرضية بدت، لكثيرين، ضعيفة، بالنظر إلى مكان وكيفية حدوث الجريمة، بالإضافة إلى أن المنطقة التي وقعت فيها، معروف نفوذ قوى أمرها الواقع. وفي العادة، لا تستغرق القوى الأمنية وقتاً حتى تمسك بالقاتل في حال وجود خلاف شخصي.

الفرضية الثانية

التي حظيت بشبه إجماع، هي أن “حزب الله” هو من اغتال لقمان سليم في منطقة تابعة لنفوذه، معتبرين أن لقمان كان معارضاً لسياسة حزب الله وإيران، وأن “حزب الله” اغتاله بهدف إسكاته، مستندين إلى التهديدات التي طالما وصلت إلى لقمان من أنصار الحزب، وهو كان قد حمّل الثنائي الشيعي مسؤولية التعرض له أو لعائلته في بيان نشره العام 2019. في حين يردّ أنصار الحزب بأن لقمان لطالما عاش في الضاحية الجنوبية، وفيها يقع مكتبه ولطالما تنقل بين الضاحية والجنوب، ولو أراد الحزب تصفيته لفعل ذلك منذ زمن بعيد.

الفرضية الثالثة

هي أن “حزب الله” قد اغتال لقمان سليم، لكن ليس لمعارضته في السياسة والرأي، بل إن لقمان، من خلال عمله كباحث ومعارض للحزب، ربما استطاع الحصول على معلومات يعتبرها الحزب حساسة وليس من مصلحته أن يتم نشرها. معلومات ربما تتعلق بالشق السياسي في الداخل اللبناني أو ربما بالفساد أو انفجار مرفأ بيروت أو عمليات تبييض الأموال وارتباط الحزب مع شخصيات داخل القطاع المصرفي اللبناني تُسهّل هذه العمليات، ولم يكن لدى “حزب الله” خيار آخر لكتم المعلومات سوى التصفية الجسدية.

الفرضية الرابعة

يروج لها “حزب الله”، وهي أن جهة خارجية قد نفذت عملية الاغتيال، داخل منطقة تابعة أمنياً للحزب، كي تؤلّب الرأي العام اللبناني على الحزب وخصوصاً البيئة الشيعية. هذه الفرضية، ولو كانت واردة ومحتملة، إلا أن اللبنانيين ضاقوا ذرعاً بتكرارها وتصديرها أولوية. فكل عمليات الاغتيال التي حدثت في التاريخ اللبناني الحديث، منذ اغتيال رفيق الحريري، رُدّت إلى جهة خارجية، غالباً اسرائيل، وللسبب عينه، هو إحداث الفتنة، أو خلط الأوراق لتحقيق مكاسب ومناصب زعاماتية وسياسية. بل وصل الأمر بأحدهم إلى القول إن سعد الحريري مستفيد من هذا الاغتيال، لأنه استفاد قبلاً من اغتيال والده ليصبح رئيساً للحكومة! لكن تعبير اللبنانيين عن سأمهم من نظرية المؤامرة تفشى، أمس، بشدة، بالجدّ والتهكّم، في مواقع التواصل الاجتماعي. كما استنكر كثر واستُفزوا مما كتبه ممانعون عن إمكانية أن يكون القتل قد تم على خلفية ديون أو قمار أو خلافات نسائية أو حتى بداعي السرقة! إذ بدت تلك الفرضيات منطوية على إسفاف وإهانة، سواء على مستوى حجم الجريمة أو مكانة الشخصية المُغتالة.

أما الحقيقة فلا يظهرها إلا تحقيق مهني وتقني وشفاف، وهذا ما يطالب به الجميع. لكن التعليقات ما انفكت تعود إلى مشكلة أساس، وهي أن “حزب الله” يبدو غير قابل للمساءلة أو الاستجواب. ولا يقبل أن يخضع عناصره، ناهيك عن قياداته، للتحقيق. ولا تستطيع الدولة، أو حتى القضاء الدولي، استدعاء أي عنصر في حال الاشتباه فيه (ولم لا؟ ربما تتم تبرئته!). ولا تتوافر حتى إمكانية الحصول على إفادات في المسار الاستقصائي من منظور “شاهد”.. إلا إن رُفع الغطاء عنه، وهذا ما لا نمط سوابق له، بل يُعالج بالبيانات.

والحال إن صدور بيان يقول “لم نفعل ذلك”، لم يجده اللبنانيون كافياً. كان استنكاره واسعاً، أمس، مع الإشارة إلى أن الحقيقة تحتاج إلى أدلة لن يُحصَل عليها سوى بتعاون الحزب مع التحقيق.

هذا الواقع ظهّر اللبنانيين يائسين تماماً من التوصل إلى أي حقيقة. الكلام الدائر، في العام والخاص، مزاجه أن لا تحقيق جدياً سيجري، ولا قاتل سيكشف، بل هي الوقفة نفسها في طابور الانتظار الطويل مع باقي القضايا. 


عن جريدة ” المدن الإلكترونية ” اللبنانية ، للاطلاع على الموضوع الأصلي اضغط هنا

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية