لوموند الفرنسية : مئات السوريين والأوروبيين يعملون لمنع الإفلات من العقاب

قالت صحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية إن جوستين أوجيه المهتمة بحقوق الإنسان، من خلال كتابها الجديد “نوع من المعجزة”، حيث رسمت فيه صورة لأوروبا، بأفضل وأسوأ ما فيها، من خلال شخصية ياسين الحاج صالح المثقف السوري المنفي في ألمانيا. تواصل محاربة نسيان جرائم بشار الأسد، من خلال بطله، المثقف السوري المعارض الذي مر بسجون نظام الأسد؛ لتنظر من خلال تجربته في المنفى إلى القيم والتنازلات في أوروبا وألمانيا خصوصا.

وفي مقابلة مع الكاتبة، قالت إنها فكرت في التخلي عن موضوع سوريا؛ لكنها لم تستطع، لأن لديها شعورا بالفضيحة بسبب اللامبالاة التي قوبل بها سحق الثورة السورية، مشيرة إلى أن معرفة حجم الجرائم المرتكبة، تظهر أن النسيان والإفلات من العقاب معناهما أن حالة العالم ليست على ما يرام.

وقالت الكاتبة إن قصة سوريا تهمها من جهة أنها إنسانة وأنها أوروبية؛ لذلك عندما علمت أن ياسين الحاج صالح، المثقف المعارض لنظام بشار الأسد بكل ما يحمله من تاريخ، استقر في مدينة برلين ذات التاريخ المعروف، استيقظ لديها الشعور بالاهتمام والقلق؛ مما دفعها لتحيي ذكراها وتحارب محاولات السحق والنسيان، لأن النسيان من الكلمات الكبيرة في هذا العصر، وهو مضر بالعواقب واللغة؛ لأن الكلمة عندما تقال، ولا يترتب عليها شيء، تفقد اللغة قدرتها على تغيير الواقع.

وأوضحت الكاتبة أنها تنبهت لهذه الحقيقة بفضل رزان زيتونة، التي حضرت الهجمات الكيميائية على الغوطة عام 2013، وهي “خط أحمر” كما حددها الغرب؛ لذلك تقول زيتونة إنها عندما كانت تشارك في دفن الموتى وسط خوف رهيب، كانت تعمل ولديها فكرة أنه سيكون هناك تدخل؛ لأنها لم تكن تصدق أن تلك الكلمات لا تترتب عليها أي عواقب.

وعند سؤالها عن خصوصية الدراما السورية، قالت الكاتبة إن تفرد سوريا يكمن في معرفة العالم غير العادية للجرائم المرتكبة فيها، حيث قام السوريون بعمل لا يصدق في التوثيق؛ لأن النظام هناك سلب منهم الذاكرة لسنوات، وقد أنتج آلاف السوريين نصوصا وصورا وأرشيفات صوتية.

وعلقت الكاتبة قائلة “يبدو لي أنه لا يمكن تخيل أن أحدا يفكر في أي شكل من التطبيع مع الأسد بعد أن غمرت هذه الصور العالم بأسره، وذكرت بصور “قيصر” المنسوبة لمصور عسكري كان مسؤولا عن التقاط صور الجثث، التي تغادر مراكز التعذيب، وتمكن من مغادرة سوريا مع عشرات الآلاف من هذه الصور، التي تثبت الفظائع التي ارتكبها النظام السوري.

واعتبرت الكاتبة أن هذه النقطة هي محل خيانة العالم، حيث فقدت قيمتها فجأة، كل القيم التي يُزعم أن الاتحاد الأوروبي تأسس عليها، واكتسبت نوعا من العالمية بعد الحرب العالمية الثانية.

وأشارت الكاتبة إلى أن هذه الصور، رغم ما قد تثيره لدى البعض من التعب والاشمئزاز، هي الأساس الذي تقوم عليه جميع محاولات العدالة في أوروبا على مبدأ الولاية القضائية العالمية، حيث يعمل المئات من السوريين والأوروبيين على ضمان عدم استمرار الإفلات من العقاب، خاصة أن العدالة شيء يجب السعي إليه دائما، وهي لا تتعلق بالماضي فحسب؛ بل تحمل فكرة معينة عن المستقبل.

وعند إثارة موضوع ما تستفيده أوروبا من هؤلاء السوريين المنفيين مع ألمانيا، نبهت أوجيه إلى أن وجود مئات الآلاف من السوريين، الذين قاموا بالثورة، وأرادوا اختراع طريقة جديدة للحكم اليوم في وسط أوروبا، مثير للاهتمام؛ لأن لدى هؤلاء إيمان بإمكانيات مختلفة، وخيال لم يعد يملكه الأوروبيون.

ورأت الكاتبة أنه يجب على المفكر الأوروبي -رغم صعود اليمين المتطرف- أن يفكر، حتى لو لم تكن سوريا في قلب اهتماماته، في طريقة جديدة للعيش في العالم، وألا يترك نفسه محاصرا بانطباع، وأن ينتبه لمعاناة الآخر، ويرفض هذه الفضيحة الهائلة من الازدراء لبعض الأرواح.
وفي هذا السياق، رأت الكاتبة مجالا للمقارنة بين ياسين الحاج صالح الشخصية الرئيسة في كتابها، والفيلسوفة الألمانية حنة أرندت، عبر إجراء حوار داخلي يضمن السلوك الأخلاقي، لعرض العمل السياسي بكل نبله.

وقد بنى ياسين نفسه بالقراءة؛ مما أعطاه طريقة تفكير فريدة وحرة للغاية، ورغم أنه لم يكن أبدا يثق بمفهوم العالمية باعتباره نتاج الإمبريالية، فهو اليوم يعتقد أن هناك عالمية يجب إعادة بنائها حول القيم الأساسية التي يشعر بأهميتها في جسده.

وأشارت الصحيفة إلى أن كتاب أوجيه الأخير استمرار منطقي وطبيعي للأول، حيث سعت في قصتها الأولى لإحياء شخصية رزان زيتونة، وجه الثورة السورية التي طاردها النظام، واختطفتها أخيرا جماعة متمردة سلفية في منطقة “محررة” اتخذتها ملاذا لها، في حين رأت في قصتها الثانية نوعا من المعجزة، حيث تتحدث عن عواقب سحق هذه الثورة، من نفي الضحايا وإفلات الجلادين من العقاب والبحث عن العدالة واستمرار الثورة خارج الأسوار.

وياسين الحاج صالح في قصة الكاتبة هو الذي يقيم الصلة بين الاثنين، فهذا المفكر العصامي الشيوعي السابق، أمضى 16 عاما في سجون النظام قبل ثورة 2011، وهو زوج سميرة خليل الناشطة الحقوقية التي اختطفت في الوقت نفسه الذي اختطفت فيه رزان زيتونة ورفيقتان اثنتان، ولم يتم العثور على أي منهن، ولا حتى بعد سيطرة النظام عام 2018 على الغوطة، حيث اختطفن.

وبنوع من المعجزة، يسعى هذا الرجل باتصال مع أوروبا وتاريخها، إلى عالمية جديدة، بعد أن تعرف على أفكار حنة أرندت، في حين يبحث سوريون آخرون منفيون مثله، عن طرق لمقاضاة جلاديهم السابقين.

ومن خلال هؤلاء -كما تستنج الصحيفة- تتحدث جوستين أوجيه عن أوروبا وعن قيمها وعن تنازلاتنا ونسيانها.


ترجمة : الجزيرة
عن لوموند الفرنسية ، للاطلاع على الموضوع الأصلي اضغط هنا

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية