يجد لاجئون سوريون في لبنان أنفسهم مرغمين على تحمّل بردٍ قارسٍ وثلوجٍ كثيفةٍ مع حلول الشتاء، بعد أن باتت وسائل التدفئة صعبة المنال بسبب تلميح الحكومة إلى رفع الدعم عن الوقود تحت وطأة الأزمة الاقتصادية.
وتُطرح علامات استفهام حول مدى استعداد اللاجئين لتحمّل الشتاء، مع بروز أزمة الوقود، بسبب ندرته وارتفاع أسعاره، لاسيما في ظل مساعدات أمميّة محدودة.
وعامةً، يُشكّل فصل الشتاء عبئا ثقيلا على اللاجئين، إذ يجدون أنفسهم تحت سطوة برد قارس وعواصف عاتية، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر.
مطلع الأسبوع، عقد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، حسان دياب، اجتماعا ضم وزراء وحاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، وبحثوا رفع الدعم عن السلع الأساسية.
ويعيش في لبنان أكثر من مليون لاجئ سوري مسجلين لدى المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
لكن الحكومة تقدر عددهم بـ 1.5 مليون لاجىء، 74 بالمئة من هؤلاء يقيمون بطريقة غير شرعية، بحسب تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية عن عام 2018.
وعلى فترات، ظهرت مبادرات إنسانيّة لمساعدة هؤلاء اللاجئين، لكنّ شظايا الأزمات التي تعصف بلبنان طالتهم مباشرة، فوجدوا أنفسهم في خضم حالات العوز، خاصة في ظل تداعيات جائحة كورونا.
معاناة قاسية
من مخيّم “برّ إلياس” في البقاع اللبناني، قال طارق زهوان، للأناضول: “منذ أزمة كورونا ونحن لا نعمل والأوضاع صعبة جدا هنا”.
أخذ زهوان (40 عاما) نفسا عميقا، وتابع: “خيامنا في فصل الشتاء بحاجة إلى تأهيل سواءً بالشوادر أو بالخشب، والأهم من ذلك يجب تأمين مادّة المازوت (وقود للتدفئة) بسبب البرد”.
وأردف: “لا أحد يستطيع أن يؤمّن كلّ ذلك، فنحن نعيش من دون مادّة المازوت ومن دون حطب وأغطية شتويّة”.
أمّا سلمى السلام (45 عامًا)، التي هربت من سوريا خوفًا من البراميل المتفجّرة التي يقصف بها النظام الأحياء السكنيّة، فقالت للأناضول: “أحيانا ننام من دون تناول وجبة العشاء”.
وبحرقة وألم، أضافت: “نعيش في حالة قاسية جدًا، أولادنا بحاجة للطعام، ولكنّ لا نملك أي شيء، خاصة في مخيمنا”.
واستطردت: “سجلنا أسماءنا على لائحة المساعدات، ولكنّ للأسف الشديد يكون الردّ: نحن لسنا مسؤولين عنكم”.
بدورها اختصرت فاتن الخلاوي (30 عامًا) الحال في مخيّم “برّ إلياس” بقولها: “الشتاء بارد جدا هنا ووضعنا سيء، لا سيّما وأنّنا نعيش في الخيام”.
ولا تختلف معاناة “أم أحمد الدبوق” (45 عامًا) عما تواجهه فاتن، إذ قالت: “العيش في لبنان بات صعبا جدا، نحن بحاجة للكثير، لكنّ لا أحد ينظر إلى أحوالنا”.
ودعت الدبوق المنظمات إلى إعادة النظر بأحوالهم، موضحة: “نحن نشعر بضغوطات الحياة القاسية علينا”.
فيما وصفت “أم عمر” (27 عامًا) الحالة التي تعيش بها بالمأساوية.
وتابعت: “لا طعام لا مازوت لا أغطية، وبالإضافة إلى كل ذلك المجارير (مياه الصرف غير المعالجة) تفيض علينا.. حالتنا إن صحّ التعبير يمكن القول عنها بالعاميّة بهدلة (يرثى لها)”.
ويعاني لبنان، منذ أكثر من عام، أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975- 1990) أدت إلى انهيار مالي، فضلا عن خسائر مادية كبيرة تكبدها البنك المركزي.
ويرافق ذلك انهيار متواصل للعملة المحلية، في ظل فرضية قوية بتوجه السلطات إلى رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية والوقود والدواء.
ويبلغ سعر الدولار الواحد في السوق غير الرسمية 8100 ليرة، مقابل 1507.5 ليرة في السوق الرسمية، بينما يبلغ متوسط السعر المدعوم من المصرف المركزي 3200 ليرة.
فقر مدقع
الناطقة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، ليزا أبو خالد، قالت للأناضول، إن “المفوضيّة تعمل جاهدة مع جميع الشركاء والجهات المانحة لضمان حصول الأسر المحتاجة على الدعم الذي تحتاج إليه لتخطي هذه الأوقات العصيبة”.
واستدركت: “نظرا إلى التمويل المتاح للمساعدات الإنسانية، لا يمكننا الوصول سوى إلى 31 بالمئة من العدد الإجمالي لعائلات اللاجئين السوريين عبر برنامج الدعم النقدي المتعدد الأغراض والدعم الغذائي الشهري، و17 بالمئة آخرين عبر برنامج المساعدات الغذائية.”
وزادت: “حاولنا توسيع نطاق شبكة الأمان قدر الإمكان هذا العام للوصول إلى المزيد من العائلات، غير أن ذلك لا يزال غير كافٍ إلى حد كبير.”
وعن نسبة اللاجئين الذين يعيشون تحت خط الفقر، أجابت: “88 بالمئة من اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون اليوم تحت خط الفقر المدقع، الأمر الذي شكّل ارتفاعًا مقارنة بنسبة العام الماضي البالغة 55 بالمئة.”
ويتعرّض لاجئون سوريون لانتهاكات مختلفة في لبنان تصل إلى حدّ العنصريّة، لاسيّما في ظل قتال جماعة “حزب الله” اللبنانية بجانب قوات نظام بشار الأسد في سوريا، ضمن الحرب الدائرة منذ عام 2011.
ودعا الرئيس اللبناني ميشال عون، في مناسبات عديدة، إلى البحث عن “حل سريع” يحقق عودة اللاجئين السوريين، محذرا من أن “تداعيات (وجود) اللاجئين كبّدت لبنان خسارة كبيرة، ولم يعد قادرًا على تحمّل المزيد”.
الأسوأ هذا العام
وبحسب تامر الشويرتاني، مسؤول عن فريق “سوا منوصل” التطوعي (مؤسسة أهلية)، فإن “الأوضاع في مخيّمات اللجوء بالعادة سيئة، لكنّ هذا العام هي الأسواء”.
وأضاف الشويرتاني للأناضول: “اليوم لا توجد فرص عمل نهائيًا بسبب الظروف المسيطرة على لبنان، وحتى إذا استطاع اللاجئ العمل راتبه لا يوازي شيئا مع انهيار العملة اللبنانيّة”.
واستطرد: “هناك بعض الناشطين السوريين واللبنانيين الذين يقومون بمبادرات تطوعيّة خجولة لمساندة اللاجئين قدر المستطاع من خلال تأمين الملابس والأغطية في فصل الشتاء”.
وعن وسائل التدفئة، ردّ الشويرتاني: “هناك عائلات نازحة تحرق الخشب والأكياس المصنوعة من مادةّ النيلون، والبعض يحرق الأحذية للتدفئة بواسطتها”.