كشف الفيلم التحقيقي “أموال القصر” الشبكة المالية التي يسيّرها النظام السوري لضمان جريان اقتصاده رغم العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على أبرز رموزه، ودور كل من الإمارات ولبنان في ذلك.
وعرض الفيلم -الذي بثته قناة الجزيرة (2020/12/27)- من خلال الوثائق الرسمية وشهود العيان وشخصيات سورية بارزة طرق تحايل النظام على العقوبات الأميركية والأوروبية، كما كشف عن أسماء الشخصيات المسيّرة لاقتصاد النظام السوري وكيفية عملها وحجم ثروتها، وتطرق أيضا إلى أسباب التخلّص من رامي مخلوف أحد أبرز أعمدة اقتصاد النظام السوري ودواعي الخلاف الجاري بينه وبين أسماء الأسد.
وكشف التحقيق أن الإمارات تستضيف عددا كبيرا من السوريين المدرجين على قوائم العقوبات الأوروبية والأميركية، حيث يسافرون من دمشق إلى الإمارات دون أي مساءلة قانونية.
وكان مبعوث الولايات المتحدة إلى سوريا تحدث بشكل واضح أن على الإمارات أن تكف عن استقبال الأشخاص الذين تدرجهم أميركا على قوائم العقوبات، وتحدث أيضا عن لبنان، وبالتالي هذه هي الدول الرئيسية التي تساعد هؤلاء الأشخاص على الالتفاف على العقوبات.
عائلة مخلوف
وقد ارتبطت ناطحات السحاب الشهيرة الموجودة في مدينة موسكو الاقتصادية باسم محمد مخلوف، وذلك في تحقيق لمنظمة غلوبال ويتنس، إذ كشف التحقيق الذي نُشر عام 2019 أن مخلوف لديه عقارات وشركات في موسكو تعمل لحساب العائلة لتبييض الأموال، وهو ما فتح المجال لنقل الأموال إلى نطاق سلطات قضائية مثل الاتحاد الأوروبي حيث تسري العقوبات على عائلة مخلوف.
ومن ضمن أهم الأسماء التي ذكرها التحقيق كان رامي مخلوف الذي عرف بأنه اليد الكبرى أو اليد الأساسية التي تحمي الاقتصاد السوري والتابعة لنظام بشار الأسد، فهو من بين أكثر رجال الأعمال قدرة على الوصول لغيره من رجال الأعمال بشكل مباشر أو غير مباشر وتكوين شبكات معهم.
وقد وجه معارضون لصفقة الاتصالات الخلوية في سوريا اتهامات بالفساد لرامي مخلوف بعد إظهار بحث أجراه عضو مجلس الشعب آنذاك رياض سيف مدعياً أن الصفقة تؤدي إلى سرقة المال العام.
ولكن دور مخلوف بدأ يتغير في الساحة الاقتصادية، حيث ظهر إلى العالم في وسائل التواصل الاجتماعي ليؤجج جدلا عن علاقته الحالية بالنظام. وتصاعد الخلاف بين رئيس النظام السوري بشار الأسد ورامي مخلوف عندما نشرت الهيئة المنظمة للاتصال والبريد تبليغا لشركات الخلوي أفاد بوجود مبالغ مستحقة لخزينة الدولة من أجل إعادة التوازن إلى الترخيص الممنوح لكلتا الشركتين؛ “سيريا تيل” و”إن تي إن سوريا”.
الدور الروسي
كما ظهر الدور الروسي في تمويل النظام -في تحقيق لمنظمة بروبابليكا- التي قالت إنه في عام 2012 نظمت طائرة تابعة للحكومة السورية 8 رحلات ذهابا وإيابا بين موسكو ودمشق حملت كل منها 30 طنا من الأوراق النقدية إلى سوريا.
وكانت روسيا تطبع الأوراق المالية السورية لحساب البنك المركزي السوري، لكنها كانت ترسل أيضا مئات الملايين من الدولارات نقدا إلى سوريا على متن طائرات.
وتظهر وثيقة العقوبات الأميركية لعام 2011 أن رجل الأعمال السوري محمد حمشو قدم هدايا لكسب تأييد كبار المسؤولين السوريين والعمل كواجهة لإخفاء المعاملات غير المشروعة لمسؤولين سوريين كبار.
وتكشف الوثيقة نفسها أن أكبر هؤلاء المسؤولين هما الرئيس السوري بشار الأسد وشقيقه ماهر الأسد، ولعل اللافت في موضوع ماهر الأسد هو أنه لا يمتلك شركات باسمه، وإنما يمارس نشاطاته عبر شركات مرتبطة برجال أعمال يديرون ثروته.
وقد أضيفت أسماء الأسد زوجة الرئيس بشار الأسد لأول مرة في العقوبات الأميركية بموجب قانون قيصر لعام 2020. وتقول وثيقة قانون قيصر إن أسماء أصبحت واحدة من المستفيدين من الحرب في سوريا.
كما كشفت تسريبات “أوراق بنما” أن شركة اسمها موساك فونسيكا للخدمات القانونية كانت الوسيلة المسجلة لشركة دريكس تكنولوجيز وشركات أخرى يمتلكها رامي مخلوف وأخوه حافظ، وجاء في التسريبات أن الشركة ناقشت عام 2011 عمليات فساد ورشى واتهامات لشركة دريكس تكنولوجيز بالتورط في غسل أموال، وكان ذلك تزامنا مع العقوبات الأميركية عام 2011.
وطالبت لجنة الخدمات المالية بجزر العذراء من موساك فونسيكا قطع علاقتها بشركة عائلة مخلوف الأمر الذي استجابت له الشركة وأرسلت قرارها بالتوقف عن التعامل مع شركات رامي وحافظ.
البنوك اللبنانية
أما عن أنواع العقوبات المفروضة على سوريا، فقال مدير البرنامج السوري للتطوير القانوني إبراهيم العلبي إن العقوبات المدرجة على سوريا تنقسم إلى أقسام، منها عقوبات على أفراد وكيانات، وعقوبات على قطاعات بعينها، مشيرا إلى أن العقوبات تعد أداة ضغط مؤثرة، ولكن إن استمرت لفترة طويلة فسوف يكتشف النظام وحلفاؤه طرق الالتفاف عليها.
وبعد فرض قانون قيصر من قِبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب -والذي ينص على أنه لا يجوز لأي شركة أجنبية الدخول في عمل مع هذا النظام أو إثرائه- أصبحت مصارف لبنان هي مستودع ثروات السوريين سواء كانت الشرعية أو الفاسدة من جهة.
ويُعد قطاع البنوك اللبناني هو القطاع الذي يخدم التجارة السورية أو تبادل العملات وسوق للصرافة إضافة إلى أنه بوابة خلفية لكل العقوبات التي كانت تفرض على سوريا، ولكن عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري فرضت وزارة الخزانة الأميركية عام 2005 عقوبات على مسؤولين سوريين رفيعي المستوى لتورطهم في لبنان.
وتشير وثائق عقوبات وزارة الخزانة الأميركية عام 2011 إلى أهم رجال الأعمال الرئيسيين محمد مخلوف، حيث يظهر في الوثيقة أنه عمل لكسب الأموال ونقلها وكان لفترة طويلة مستشارا ماليا للعائلة، وتضيف الوثيقة أن محمد مخلوف ضمن أن الأصول في جميع القطاعات تقريبا كانت تحت سيطرة رجال أعمال على استعداد للعمل كوكلاء للنظام مقابل أرباح.