كشف مقاتل روسي سابق، كان قد قاتل ضمن مرتزقة “فاغنر” الروسية التي تعمل عسكريا في سوريا إلى جانب نظام الأسد، عن معلومات تنشر لأول مرة عن المجموعة التي يرأسها “طباخ بوتين”.
بعد أقل من 24 ساعة على عرض مقتطفات من كتاب روسي يتناول الحرب في سورية من وجهة نظر مقاتل سابق في مجموعة “فاغنر” للمرتزقة الروس، أوقفت دار نشر روسية طباعة الكتاب وتوزيعه، في ما بدت رغبة بعدم كشف أسرار “فاغنر” التي تُتهم بارتكاب جرائم وتجاوزات إنسانية في المعارك التي خاضتها، أكان في سورية أم ليبيا، بينما لا تزال السلطات في موسكو ترفض الاعتراف بوجود مرتزقة ينفذون سياساتها في هذين البلدين وغيرهما.
الكتاب الذي يأتي على شكل مذكرات للمقاتل السابق في “فاغنر” مارات غابيدولين، ويحمل عنوان “في نفس النهر مرتين”، جاء وقف طبعه بعد أقل من 24 ساعة على عرض مقتطفات منه على موقع “ميدوزا”، نُشرت ضمن حوار طويل مع غابيدولين، الذي أكد أن توزيع كتابه سيبدأ في غضون أيام.
كيف دخلت “فاغنر” إلى سوريا ؟
بعد إصابة جابيدولين البليغة في تدمر عام 2016، قرر أن يكتب حول تجربته في سوريا موثقًا اللحظات المهمة والمفصلية فيها، وحقيقة الشركات العسكرية الخاصة، وما يتعلق بها من خداع تام أساسه “الجيش والسياسيون الروس”، بحسب تعبيره.
وقال جابيدولين خلال مقابلته، المنشورة في 3 من كانون الأول الحالي إنه في أثناء قدومه مع زملائه في الكتيبة إلى سوريا، تفاجؤوا بعدم وجود أي أختام أو تأشيرة على جوازات سفرهم، ودخلو البلاد بناء على ذلك دون وجود أي عوائق، في إشارة إلى أن الحكومة الروسية لم تكن تريد الاعتراف بوجود مقاتلين مرتزقة غادروا البلاد بشكل رسمي.
وأكد أنهم مرروا الأسلحة الموجودة داخل الحقائب في جهاز كاشف المعادن والأسلحة المخصص في المطار بروسيا وأمام موظف الجمارك، دون أي اعتراض.
كيف تعامل مقاتلو “فاغنر” مع جنود النظام السوري؟
يذكر المقاتل في تفاصيل سرية أراد إيصالها وتوثيقها، كيف أن أربعة من جنود “فاغنر” قطعوا رأس جندي سوري تابع للنظام السوري بعد تعذيبه، لنيته الهروب.
وأضاف، “جرت هذه الممارسات لترهيب من يريدون الهروب من الجيش السوري”، وهو ما عارضه جابيدولين ووصفه بـ”الحماقة” في كتابه.
وعند إعلان النظام السوري السيطرة على مدينة تدمر، عام 2016، قال جابيدولين إنه لولا مقاتلو “فاغنر” لما كان باستطاعة “القطيع السوري” الدخول إلى المدينة، بحسب وصفه.
ووصف جابيدولين قوات النظام السوري بأنها “تشكيل عاجز”، موضحًا أن “القيادة الروسية في معظم الأحيان لم تكن قادرة على دفعهم للهجوم”.
في عام 2019، تلقى جابيدولين أمرًا بإرسال سوريين من وحدة اسمها “صائدو داعش” إلى ليبيا على الفور، وفور وصولها إلى الجهة المقصودة تلقى الأخير اتصالًا من قائد عسكري في ليببا يقول له: “اسمع، أولئك الذين أرسلتهم، هل يمكن استخدامهم كانتحاريين؟”.
يعتقد المقاتل الروسي أن وجود روسيا في سوريا مرتبط بمصالحها، وأن البلدين يحويان على كثير من القواسم المشتركة، كالنفاق، والمعايير المزدوجة الانتهازية، وعدم النزاهة، والفساد الكبير. وأضاف، “لقد أفسد النظام السوريين إلى حد كبير”.
مالك “فاغنر” العسكرية لا يعلم شيئًا عنها!
وقال جابيدولين، في المقابلة، “عندما قدمت مسودة أولية حول كتابي عام 2017 ليفغيني بريغوزين (المالك المزعوم لفاغنر)، أراد الحصول على المزيد، فالمسودة التي قدمتها تحدثت حول تفاصيل لم يكن بريغوزين على علم بها، خاصة المعلومات التي كانت تتعلق بالشركة التي استولى عليها كثير من الأشخاص، وبدؤوا بعقد الصفقات المشبوهة وسرقة أموال صاحب الشركة”.
يعترف جابيدولين بأن صاحب الشركة أجرى بعض التغييرات على النص منذ أن بدأ بقراءة مذكراته في عام 2017، لكنه شعر في ذلك الوقت، أن المالك المزعوم لمجموعة “فاغنر” كان في صفه.
“بشكل عام، إنه ليس رجلاً غبيًا، ويمكنه تقديم تقييم أكثر تحديدًا وأكثر صرامة للعديد من المشاركين في هذه الأحداث”، التي تحدث عنها المقاتل في كتابه، مدعيًا أن بريغوزين أقر بوجود “تجاوزات على الأرض”.
وأشار المقاتل في أثناء سؤاله عن الجنود بشكل عام إلى أن “فاغنر” لم تعد كما في السابق، إذ صارت خالية من الأفراد المتمرسين في القتال ذوي البنية القوية.
“على ما يبدو ، المجندون الجدد في مجموعة فاغنر ليسوا مقاتلين محترفين، وتوقفت فاغنر عن إعدادهم بشكل كافٍ لرحلات العمل (القتال) إلى الخارج”، بحسب المقاتل.
وقال جابيدولين، إن شركة “فاغنر” العسكرية الخاصة تكبدت خسائر فادحة في أثناء القتال في ليبيا.
وبرأيه، يرجع هذا جزئيًا إلى حقيقة أن صاحب الشركة توقف عن كونه قائدًا و”تحول إلى رجل أعمال”.
علاقة المقاتلين بالمسؤولين العسكريين الروس
في المقابلة، أشار المقاتل إلى اهتزاز ثقة أفراد “فاغنر” بمرؤوسيهم، بسبب عدم تزويدهم بالأسلحة والمعدات اللازمة في عام 2017، عندما طُلب منهم الاستيلاء على أحد حقول النفط، عدا عن سرقة معظم مخصصات مكافآت مقاتلي الشركة لمصلحة القادة.
وأضاف، “في بعض الأوقات، كانت هناك حاجة إلى بعض الموارد لإنجاز المهام من القيادة العليا، لم يلبِّ صاحب الشركة المطالب، لأنه لم يكن يريد أن يجادل رؤساءه (في إشارة إلى رأس هرم السلطة الروسية)”، ويكمل “تحول المقاتلون كوقود للمدافع”.
وأشار المقاتل الروسي في أثناء حديثه إلى أن القادة الروس في بعض الأحيان، يقدمون تقارير كاذبة خوفًا على حياتهم المهنية.
التفريق بين الجنود في قاعدة “حميميم” ومقاتلي “فاغنر”
في الكتاب، عبر المقاتل عن دهشته عند دخوله لأول مرة إلى قاعدة “حميميم” الروسية، إذ قال إن “الجنود الروس نظيفون، مهندمون، وجرت تغذيتهم بشكل جيد جدًا. كانت الوحدات السكنية تحتوي على تكييف هواء ومنشآت رياضية ودشات ومقاهٍ. لم يكن بإمكان مقاتل (فاغنر) أن يحلم بمثل هذه الظروف”.
وأكمل وصفه حول الجنود الموجودين فيها بالقول، “إن المظليين ومشاة البحرية الروس أصبحوا عبارة عن كتلة عظام مكسوة بالدهون”.
واعتبر جابيدولين أن “الرفاهية” الموجودة في قاعدة “حميميم” تم تمويلها من قبل دافعي الضرائب في روسيا.
قصف القوات الروسية لمجموعة “فاغنر” وكيف أخفت القوات الروسية مقتل كثير منهم
عندما سيطرت قوات النظام على تدمر بدعم روسي، صارت الحكومة الروسية تمد مقاتلي “فاغنر” بأسلحة منخفضة الجودة، عقب امتلاء مستشفيات روسيا و”حميميم” بهم، لا سيما بعد استنكار الأطباء بقولهم “إذًا، من يقاتل في سوريا الجيش الروسي أم مقاتلو (فاغنر)؟”، و”قد أصاب السؤال الوتر الحساس لدى جنرالاتنا”، بحسب جابيدولين.
انتقد جابيدولين القوات الروسية بشدة، خاصة عندما تعرضت وحدته للقصف من قبل الطيران الروسي مرتين وأصابت العديد من أفراد “فاغنر”، الذين كانوا قبل لحظات على الجبهات بوجه العدو، بحسب تعبيره.
وذكر كيف أن قتلى مجموعة “فاغنر” لا يحظون بأي اهتمام من قبل الروس عند مقتلهم، إذ يحق لهم استخدام الثلاجات فقط.
“كان لا بد من نقلهم إلى المستشفى في اللاذقية، حتى يتمكن السوريون من غسلهم بخرطوم، ووضعهم في توابيت من الزنك قديمة أو بالية، ثم في صناديق من الخشب”.
وأضاف أن روسيا كانت تتحفظ على أعداد القتلى، مستذكرًا من سقطوا في تشيكوسلوفاكيا عام 1968 وأفغانستان، فحتى أقاربهم لم يكونوا يعلمون بمقتلهم كي يقيموا مراسم الدفن.
الكتاب صار ممنوعًا من النشر
مذكرات المقاتل الروسي مارات جابيدولين كان من المقرر نشرها في عام 2022، ظنًا منه أن السلطة الحاكمة ستنتهي ولايتها في تلك الفترة، إلا أن تغيير الدستور في روسيا حال دون ذلك، إذ سيحق لبوتين البقاء في السلطة حتى عام 2032.
وفي 2 من كانون الأول الحالي، ظهرت تقارير تفيد بأن دار النشر “نايمنيك” لم تعد تخطط لنشر كتاب جابيدولين.
حاولت صحيفة “ميدوزا” التواصل مع دار النشر “نايمنيك” المتعاقد معها لنشر كتاب المقاتل الروسي للحصول على نسخة من الكتاب، إلا أنها اعتذرت بعد قرار إلغاء النشر.