اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” النظام السوري باستغلال المساعدات الإنسانية “الإغاثية” والمساعدات الخاصة بإعادة الإعمار، لتعزيز سياسته القمعية في سوريا، مطالبة الدول المانحة بتغيير سياساتهم بخصوص تقديم تلك المساعدات..
وقالت المنظمة في تقرير موسع، اليوم الجمعة 28 من حزيران، إن “الحكومة السورية تستغل المعونات الإنسانية ومساعدات إعادة الإعمار، وفي بعض الأحيان والأماكن تستخدمها لترسيخ السياسات القمعية”.
وأضاف التقرير، الصادر في 80 صفحة، “ينبغي للمانحين والمستثمرين تغيير ممارساتهم في مجال المساعدات والاستثمار لضمان أن أي تمويل يقدمونه إلى سوريا يعزز حقوق السوريين”.
وحمل التقرير الحقوقي عنوان “نظام مغشوش: سياسات الحكومة السورية لاستغلال المساعدات الإنسانية وتمويل إعادة الإعمار”، والذي قال إن الحكومة السورية وضعت سياسات وإطارًا قانونيًا لمعاقبة المعارضين ومحابات الموالين لها، عبر “تحويل وجهة موارد المساعدات وإعادة الإعمار لتمويل ما ترتكبه من فظائع”.
المساعدات الإنسانية تدعم القمع في سوريا
وقالت مديرة قسم الشرق الأوسط في “رايتس ووتش“، لما فقيه، “رغم ظاهرها الجيد، تُستخدم سياسات المساعدات وإعادة الإعمار التي تتبعها الحكومة السورية لمعاقبة من تعتبرهم معارضين، ولمكافأة مؤيديها. الإطار الذي تستخدمه الحكومة السورية للمساعدات يقوّض حقوق الإنسان، وينبغي للمانحين ضمان عدم التواطؤ في الانتهاكات الحقوقية التي ترتكبها”.
واعتمد التقرير على إجراء 33 مقابلة مع موظفي إغاثة من منظمات دولية وأممية، ومانحين وخبراء ومستفيدين بعضهم في مناطق يسيطر عليها النظام، إلى جانب بيانات تتضمن مساعدات إنسانية وإنمائية وخاصة بإعادة الإعمار
واستنتجت المنظمة مما سبق أن النظام السوري يقيّد وصول المنظمات الإنسانية إلى المجتمعات السورية التي تحتاج المساعدات، أو يزعم أنها تتلقى تلك المساعدات، وفق سياسة انتقائية ينهجها بفرض شروط أمنية على الشراكة مع الجهات الفاعلة في سوريا، وذلك بغية تحويل وجهة المساعدات “لمعاقبة السكان المدنيين الذين تعتبرهم معارضين، وتكافئ الذين تعتبرهم موالين أو الذين يمكنهم خدمة مصالحها”.
ونقلت المنظمة عن مسؤول بوكالة إغاثة قوله، “في سوريا، تتم المقايضة مع الحكومة بشأن المشاريع، الجميع يعرف ذلك. كموظف إنساني، أقول أنني سأؤهل المدارس في هذا المجال. تعود الحكومة وتقول، ماذا عن هذه المناطق بدلًا من ذلك؟ يبدأ الأخذ والرد، حتى ألتزم بمناطقهم للحصول على موافقة لمشاريعي”.
كما أن النظام السوري يدعم مشاريع تعتبر انتهاكًا في حقوق الإنسان، كالمشاريع التي “تساهم في النزوح القسري أو تعززه، أو بناء وإدارة مراكز الاحتجاز، أو المحاكم، أو عمليات إنفاذ القانون التي لها سجل انتهاكات خطيرة”، وفقًا للتقرير.
ونقلت وكالة رويترز”، اليوم، عن المدير التنفيذي لـ”هيومن رايتس”، كينيث روث، إن “الحكومة السورية أثبتت أنها بارعة في التلاعب حينما يتعلق الأمر بالمساعدات“.
وأضاف ”هذه لحظة مهمة… لأنها لحظة تتوسل فيها الحكومة السورية إلى الغرب للحصول على مليارات (الدولارات) من التمويلات الجديدة لمساعدات إعادة الإعمار. لذا فإن المشكلات التي رأيناها ستتكرر بدرجة كبيرة ما لم يكن هناك جهد جاد لمعالجتها“.
سياسة التجويع والتهجير
لجأ النظام السوري منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا في عام 2011، إلى فرض سياسية التجويع على معارضيه بحصار المناطق المدنية والمخيمات بهدف تجويع المدنيين وأخضاعهم لشروطه السياسية، كان أبرز تلك الحالات في درايا ومضايا وحمص والغوطة.
ومازال النظام يمارس تلك السياسة بدعم روسي، وذلك يتمثل اليوم بحصاره لمخيم الركبان على الحدود الأردنية والذي يقطنه نحو 18 ألف مدني، يعانون ويلات الجوع ومرارة الطقس، وفقًا لبيانات أسبوعية صادرة عن إدارة المخيم وكان آخرها قبل يومين.
إلى جانب ذلك فإن التهجير القسري الذي فرضه النظام على مناطق المعارضة، الأمر الذي أدى لتفريغ مناطق من سكانها، إلى جانب الدمار المنتشر في العديد من تلك المناطق.
أطراف متورطة في الانتهاكات
ويواجه مشروع إعادة الإعمار في سوريا مشاكل عالمية عديدة، بسبب سياسة النظام السوري حيال التعامل مع الأطراف الداعمة والمانحة واشتراط التعامل مع أفراد ومنظمات “متورطة في الانتهاكات”، بما يظهر تسيس النظام لذلك الدعم بما يتوافق مع سياسته التدميرية في سوريا، وفقًا لـ “رايتس ووتش”.
وقالت المنظمة إن النظام يفرض على الأطراف المانحة التعامل مع قوانين التنظيم العمراني والاستثمار الذي يمنحه سلطة واسعة للاستيلاء على الممتلكات الخاصة بالسوريين و”هدمها دون مراعات الأصول القانونية أو التعويض، والإضرار بشكل غير متناسب بالسوريين الأكثر فقرا ومن تعتبرهم معارضين”.
وطالبت المنظمة الحقوقية الدول المانحة بتفعيل آلية مركزية للتنسيق والتبادل، وإنشاء اتحاد تمويلي للمساعدات الإنسانية في سوريا، بهدف تبني جميع المنظمات والوكالات نفس تلك المعايير للبرامج، ولضبط المعايير عند التعامل مع النظام، مضيفة، “ينبغي للمانحين أيضًا والمنظمات الإنسانية ضمان أن جميع البرامج الإنسانية مصحوبة بنظام مراقبة مستقل”.
وقالت مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة، لما فقيه، في هذا الصدد، “بدون محاولة لإصلاح النظام الذي تعمل فيه وكالات الإغاثة والمستثمرون، يخاطر هؤلاء بالمشاركة في تمويل فعال لآلية القمع في سوريا، لكن بدفعة جماعية نحو مزيد من الشفافية والعناية الواجبة والوصول، يمكن للمانحين أن يكون لديهم ثقة أكبر بأن أموالهم لا تُستخدم لقمع السوريين”.
وبعد سيطرة النظام السوري على مناطق واسعة خلال العامين الأخيرين (2017 و2018) شغل ملف إعادة الإعمار حيزًا كبيرًا من مناقشات مستقبل سوريا بين الدول الضامنة لمسار “أستانة” (تركيا، روسيا، إيران) ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وتشكل إعادة إعمار سوريا هاجسًا أمام روسيا، حليفة النظام السوري، التي تتخوف من عدم مشاركة الدول الغربية بإعادة إعمار المناطق السورية الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، كونها لا تستطيع بمفردها أن تحمل ملف إعادة الإعمار في سوريا.
وبدأت روسيا بدعوة الدول الغربية للمشاركة في إعادة الإعمار بعد خطة إعادة اللاجئين إلى سوريا العام الماضي، لكن تلك الدعوات قوبلت بالموافقة المشترطة الحل السياسي في سوريا من الجانب الأمريكي.
وسبق أن أعلنت “الدول السبع” الكبرى، في نيسان الماضي، أنها لن تشارك بإعادة إعمار سوريا دون انتقال سياسي “ذي مصداقية” لنظام الحكم.
وتضم تلك الدول كلًا من الولايات المتحدة وكندا واليابان وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا.
وتقدر الأمم المتحدة كلفة إعادة إعمار البنية التحتية في سوريا بنحو 400 مليار دولار، مشيرة إلى أن العملية قد تستغرق أكثر من نصف قرن.
وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أصدر القانون “رقم 10″، في 2 من نيسان الماضي، وينص على “إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية”.
ويلزم القانون مالكي المنازل بتقديم ما يثبت ملكيتهم للعقارات في غضون 30 يومًا، وإلا فإنهم سيخسرون ملكية هذه العقارات وتصادرها الدولة، ويحق لها تمليكها لمن تراه مناسبًا.
وتحاول بعض الشركات العربية حجز مقعد لها على طاولة إعادة الإعمار التي يروج النظام السوري لانطلاقها عبر إعلامه الرسمي والموالي لجذب المستثمرين، وسط مخاوف من إعادة تأهيل نظام الأسد على الساحة العربية.