لماذا يعيش كثير من الأزواج منفصلين في هونغ كونغ؟

قع جايسون تشاو ولام لوك في حب بعضهما البعض عندما كانا يعملان في ديزني لاند في صيف 2012. وبعد مرور ثلاث سنوات تزوجا ورزقا بطفلة، لكن قصة حبهما انتهت بالعيش منفصلين!

تعيش لوك، البالغة من العمر 31 عاما، مع والديها بمنطقة نورث بوينت بحي إيسترن ديستريكت في جزيرة هونغ كونغ، على بُعد أكثر من ساعة عن جزيرة تسينغ يي، حيث يعيش تشاو، البالغ من العمر 35 عاما، مع والديه. أما صغيرتهما “يو” ابنة الثالثة فتقضي أيام الاثنين إلى الخميس من كل أسبوع مع لوك، ثم العطلة الأسبوعية في منزل والدي تشاو.

ولا يتمكن الزوجان من العيش لدى أي من الأسرتين لأن غرف النوم ضيقة بما لا يسع زوجين وطفلة.

تقول لوك: “لم أتحمل الأمر في البداية، وفي بعض الأحيان كان يساورنا الشك بشأن زواجنا لأن معيشتنا المنفصلة تجعلنا نعيش كالعزاب. مضت سنة وأكثر قبل أن نتمكن من التكيف مع هذا الوضع”.

وخلال الشهر الأول من ولادة “يو”، عانت لوك كثيرا في رعايتها رغم مساعدة أمها لها، إذ تقول: “لم يتسن لزوجي تقاسم عبء تربية يو لبعد سكنه، ولم يتسن لها أن تكبر في كنف أبيها وأمها”.

وللأسف أصبح هذا الوضع معتادا في هونغ كونغ لارتفاع السكن بشكل فلكي، وعدم قدرة الكثير من الأزواج على تحمل تكلفة العيش معا.

ضمنت كاثي تام وزوجها لويس لي الحصول على منزل للإسكان الشعبي لتقدم لي بالطلب عام 2012 قبل سنوات من زواجهما عام 2017

أسعار هائلة وتوقعات متدنية

وتشير البيانات الحكومية لعام 2018 إلى أن قرابة 10 في المئة من الأزواج في هونغ كونغ لا يعيشون معا. وحتى بالنسبة لمن يعيشون معا فإن أكثر من 12 في المئة منهم بين الخامسة والعشرين والرابعة والثلاثين من العمر يجمعهما منزل العائلة الأصلي.

وتلقي لوك باللوم على ارتفاع أسعار العقارات في هونغ كونغ، حيث تعد أسعار العقارات الأعلى في العالم للعام التاسع على التوالي.

وبحسب دراسة “الديموغرافيا الدولية لتوافر السكن” لعام 2019، والتي تصنف 309 منطقة حضرية بثمان دول، تتصدر هونغ كونغ القائمة كأغلى سوق عقاري بالمقارنة بالدخل، فسعر المنزل المتوسط يناهز 21 ضعف الدخل السنوي للأسرة في المتوسط. وبالمقارنة، فإن المنزل المتوسط بلندن، التي تعد أغلى سوق عقاري بأوروبا، يصل سعر المنزل في المتوسط إلى 8.3 ضعف الدخل السنوي للأسرة.

ومن الصعب في هونغ كونغ تحمل سعر ولو غرفة بشقة – حيث كثيرا ما يتم تقاسم الشقق – إذ يصل متوسط سعر غرفة في شقة إلى 510 دولارات أمريكية شهريا. ولا تتسع غرفة كتلك لأكثر من سرير واحد.

ويتراوح متوسط الدخل الشهري للعامل في هونغ كونغ، ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما، بين 10,750 دولار هونغ كونغ، بينما يرتفع ليصل إلى 21 ألف دولار هونغ كونغ للعامل في المرحلة العمرية بين 30 و39 عاما.

ويقول مايكل راوز، المدير العام السابق لبرنامج إنفست هونغ كونغ الحكومي للاستثمار، إنه حتى لو تقاضى الزوجان راتبين كبيرين “فإن الأسرة من الطبقة المتوسطة لا يسعها امتلاك منزل بحجم مناسب”.

وقد ساهم الغضب من أسعار السكن في تأجيج الاحتجاجات التي شهدتها هونغ كونغ مؤخرا، إذ يرى كثيرون أن الحكومة تحابي الشركات العقارية على حساب الراغبين في السكن، فضلا عن أثر الوافدين من الصين الأم على قوائم الإسكان.

وتكسب لوك، التي تعمل في مجال الإعلام، وتشاو، الذي يعمل في ديزني لاند، أقل قليلا من متوسط الراتب في هونغ كونغ. ورغم أنهما لا يدفعان إيجارا لأسرتيهما فإنهما لا يتمكنان من الادخار بما يكفي لتوفير منزل، نظرا لمصاريف رعاية ابنتهما. ويلخص تشاو ذلك بقوله: “نخطط للعيش معا، لكننا لا نرى ذلك ممكنا على المدى القريب”.

تعيش جويس ليونغ، 30 عاما، في بيت والديها بدلا من أن تعيش مع زوجها ويلفرد وونغ، 30 عاما، وتنام في نفس السرير الذي كانت تنام به وهي طفلة وحولها الدمى القديمة

معا وليس معا !

وكثيرا ما يبحث المتزوجون حديثا عن بدائل أخرى، كالإسكان الشعبي، لكن لا يتوافر هذا الخيار أيضا لارتفاع الطلب وقلة المعروض. وينتظر الأزواج نحو خمس سنوات ونصف في المتوسط لحين توافر شقة للإسكان الشعبي. وحتى يوليو/تموز شملت قوائم الانتظار 147 ألف متقدم.

تمكنت كاثي تام، التي تبلغ من العمر 28 عاما، وزوجها لويس لي، البالغ من العمر 32 عاما، من الحصول على مكان للإسكان الشعبي لأن “لي” تقدم للبرنامج في عام 2012 قبل سنوات من زواجهما عام 2017.

وتقول تام: “كنا متأكدين من شعور كل منا تجاه الآخر وقررنا الزواج قبل توافر شقة تجمعنا”.

وبفضل بُعد نظر “لي” لم يفترق الاثنان في المعيشة أكثر من عام واحد، قبل تخصيص شقة لهما مساحتها 21 مترا مربعا يتقاسمانها الآن بصحبة قطتهما.

تقول الزوجة: “لو كان الحال استمر بنا طويلا في العيش منفصلين لشعرنا أن شيئا ينقصنا من حيث كوننا أسرة، أما الآن فنشعر بالامتنان لعيشنا سويا، ودون ذلك ما كنا لنفكر في الإنجاب”.

ويعكس تردد تام ولي في الإنجاب تداعيات أكبر لأزمة السكن في هونغ كونغ، إذ تشير البيانات الرسمية إلى أن معدل المواليد انخفض بأكثر من 50 في المئة من 16.8 مولودا لكل ألف شخص عام 1981 إلى 7.7 مولودا في عام 2017.

كذلك تعد هونغ كونغ بين أكثر المناطق التي تعاني من شيخوخة السكان في آسيا، إذ من المتوقع أن يُشكل المسنون قرابة ثلث سكان هونغ كونغ عام 2036.

وإذا استمر معدل المواليد في الانخفاض فلن تربو نسبة من هم دون الخامسة عشرة عن 10 في المئة من السكان بحلول عام 2066.

يعيش ما هوي-شينغ، 69 عاما، أغلب الوقت دون زوجته جين غوو فاي، 62 عاما، لأن مساحة منزله تصل إلى 5.5 مترا مربعا ولا تستطيع جين العيش فيها بسبب بعض المشاكل الصحية

الحفاظ على العلاقة!

يعيش ويلفرد وونغ وجويس ليونغ، وكلاهما في الثلاثين من العمر، كل في بيت أبيه وأمه. وتنام جويس في نفس السرير الذي كانت تنام فيه في طفولتها وإلى جانبها دُماها القديمة. أما الزوج فيعيش على مسافة 40 دقيقة في كولوون، ويدرك أن هذا الأمر قد يستمر لسنوات قبل أن يجمعهما بيت واحد. ومع ذلك، أقدم وونغ وليونغ على الزواج مطلع العام الحالي.

يقول وونغ إنه يحرص على مبادلة زوجته الرسائل النصية والمكالمات واللقاءات، ويضيف: “قد يبدو ما أقوله غريبا، لكن العيش في مكانين مختلفين قد يجعل الزواج أفضل”.

كذلك يلتقي لوك وتشاو فيما يشبه المواعدة ويسافران معا بين الحين والآخر إلى اليابان إذا تمكن الوالدان من رعاية صغيرتهما يو. وأحيانا يمضيان ليلة بأحد فنادق هونغ كونغ أو يصطحبان “يو” لديزني لاند.

ويسعى تشاو لقضاء ما أمكنه من وقت خلال الأسبوع مع زوجته وطفلته بمرافقتهما سيرا للبيت قبل أن يفترق عنهما مستقلا قطار الأنفاق للعودة لسكنه.

ومهما حاول الأزواج إيجاد الوقت المشترك، يظل العيش فرادى مبعثا للوحدة، خاصة مع تقدم العمر.

وكثيرا ما يشعر ما هوي-شينغ، العامل السابق باليومية بصالة قمار في ماكاو والبالغ الآن 69 عاما، بالوحدة إذ يعيش معظم وقته دون زوجته جين غوو فاي، 62 عاما. يسكن “ما” في شقة مساحتها 5.5 مترا مربعا بلا نوافذ، ويكلفه هذا المكان نحو ثلثي ما يتلقاه من دعم شهري من الحكومة يربو قليلا عن خمسة آلاف دولار هونغ كونغ (635 دولارا).

وتعود جين لبيتها في هونغجو بالصين كل بضعة أشهر نظرا لصحتها التي تتضرر من العيش في مكان زوجها سيء التهوية، وتقول: “المكان صغير جدا ويصعب عليّ العيش فيه”.

وقد تقدم “ما” بطلب للحصول على إسكان شعبي من هونغ كونغ حتى يتسنى له ولزوجته العيش معا ببيئة أفضل، وحتى هذا الحين يمضي الزوجان قسطا يسيرا من وقتهما معا، لكن لم تمنعهما الصعوبات التي توقعا مواجهتها من الإقدام على الزواج.

وهما الآن ينتظران منذ ثلاث سنوات للحصول على شقة من الإسكان الشعبي. وتقول جين إنهما يحبان العيش معا، ويوافقها “ما” الرأي ويشاطرها الأمل في أن يجمعهما سقف واحد ليتسنى لهما بدء حياتهما الخاصة.

عن BBC Worklife


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية