” لا حياة لنا هنا “…معاناة اللاجئين تحت وطأة قيود المجر المتشددة

" لا حياة لنا هنا "...معاناة اللاجئين تحت وطأة قيود المجر المتشددة

كان بياس، اللاجئ العراقي الشاب الذي نجح في الوصول إلى المجر، متحمساً في بادئ الأمر لاستعراض لغته الإنكليزية. ولكن، بعد 4 أشهر قضاها في معسكرٍ لاحتجاز طالبي اللجوء، أخرسه الخوف والحيرة.

وعلى الرغم من أنَّه سدد للسلطات المجرية 1200 يورو لإرساله إلى معسكرٍ أحسن حالاً، انتابت المخاوف اللاجئ ذا التسعة عشرة ربيعاً من إمكانية إعادة احتجازه بموجب قانونٍ صارم جديد.

وينص القانون الجديد الذي قدمته حكومة اليمين برئاسة فيكتور أوربان، ومرره البرلمان المجري بأغلبيةٍ ساحقة يوم الثلاثاء 7 مارس/آذار 2017، على نقل طالبي اللجوء كافة إلى شبكةٍ من المعسكرات المصنوعة من حاويات الشحن. ومن المقرر أن يدخل هذا القانون حيز التنفيذ خلال أسبوع.

وأدان حقوقيون ومحامون الحملة المكثفة المناهضة للهجرة التي تشنها حكومة أوربان، بوصفها تشكل انتهاكاً صريحاً لقوانين الاتحاد الأوروبي، وحثوا الدول الأعضاء في الاتحاد على التحرك ضدها.

ومن شأن هذا القانون أن تكون له تبعاتٌ باهظة على اللاجئين من أمثال بياس، والذي وصل إلى المجر لاجئاً العام الماضي، ووُضِعَ في أحد مراكز الاحتجاز بها، وهي مراكز يصفها منتقدو الحكومة بالسجون، قبل أن يُقبل طلبٌ تقدم به لنقله إلى مركز استقبال مفتوح مقابل دفع مبلغٍ من المال يُسمَّى رسمياً “كفالة”.

ولأن طلب اللجوء الذي تقدم به بياس لا يزال قيد البحث، فإنَّه في حال أصبح الاقتراح الجديد قانوناً، يمكن أن يُنقل بياس من منزله الحالي، وهو عبارة عن صالة مبيت كبيرة في ضاحية فقيرة من ضواحي بودابست، ويُلقى به مرةً أخرى في أيٍ من معسكرات الاحتجاز.

وبالنسبة لبياس، تُعَدُ خطوةٌ كهذه ضربةً مزدوجة: فالمنشأة “المفتوحة” التي أُرسِلَ إليها في بادئ الأمر بعد دفع “الكفالة” لم تكن سوى شبكة من الخيم في كورمند، بالقرب من حدود المجر الغربية مع النمسا. ووصفت منظماتٌ حقوقية الأوضاع هناك بأنها “غير إنسانية”.

ويتكون المعسكر “المفتوح”، المقام بعيداً عن الأحياء السكنية داخل أراضٍ تابعة لأكاديمية تدريب للشرطة في ضواحي كورمند، من 7 خيام مصنوعة من مادة التاربولين؛ وتشيع فيها رائحة الفحم المحترق المتصاعدة من وسائل التدفئة المؤقتة. ولا يُسمح لعموم الناس ولا للإعلام بالدخول إلى هذا المعسكر. وحين اقترب صحفيو “الغارديان” البريطانية من بوابة المعسكر، ظهر ضابطٌ من كابينةٍ بالقرب من البوابة وصاح بغضب: “ارحلوا من هنا! هيا! هيا!”.

وأدانت حملاتٌ حقوقية فرْض المجر رسوماً على المحتجزين لنقلهم إلى منشآتٍ لا تعدو كونها أماكن أكثر بدائية. ويصنَّف المبلغ رسمياً ككفالة، ويمكن استرداده نظرياً إذا التزم طالب اللجوء بعدم الفرار عبر الحدود إلى دولةٍ أخرى من دول الاتحاد الأوروبي.

وتقول مارتا باردافي، الرئيس المشارك للجنة “هلسنكي” المجرية، إنَّ “الحكومة المجرية استفادت من جمع مبالغ (الكفالة) من أشخاصٍ يرغبون في الانتقال من مراكز الاحتجاز المغلقة، لتنقلهم بعد ذلك إلى أماكن على شاكلة كورمند، حيث لا شيء يمكنهم القيام به، ولا توجد حتى تدفئةٌ جيدة؛ إنه أمرٌ مقزز ومستهجن!”.

وتحت الضغط، قبِلت السلطات المجرية الشهر الماضي نقل 8 لاجئين من كورمند، كانوا قد دفعوا الكفالة ليتم إطلاق سراحهم من مراكز الاحتجاز المغلقة، إلى مبنى سكني في بودابست تابع لمنظمة “أولتالوم”، وهي جمعية خيرية إنجيلية.

وما يزال معسكر كورمند مفتوحاً على الرغم من أنه لا يحوي إلا 5 لاجئين.

وفي نُزُل أوتالوم، ثمة قلقٌ من أن مصيراً ربما أكثر سوءاً ينتظر اللاجئين والمهاجرين: من خلال جمعهم من الشوارع ووضعهم في المعسكرات.

ويقول اللاجئ الباكستاني أفريدي سهيل خان، البالغ من العمر 42 عاماً، والقادم من منطقةٍ تسيطر عليها طالبان: “صحيحٌ أنَّنا خائفون من السلطات المجرية؛ لأنهم قد يسحبون منَّا أوراق اللجوء”. ومن المتوقع أن تنتهي صلاحية حالة الحماية الخاصة بخان في غضون أسابيع قليلة. وربما يواجه الاحتجاز إذا لم يجددها، وهي احتماليةٌ يراها خبراء حقوق الإنسان ممكنة.
ويضيف خان: “أعتقد أنَّ هذه أخبارٌ سيئة للمدافعين عن حقوق الإنسان؛ فنحن لسنا إرهابيين ولا مجرمين، لم آتِ إلى المجر طمعاً في رغد العيش، وإنما لأنَّي أواجهُ مشكلةً في باكستان. لا حياة لنا هنا”.

[dt_fancy_image image_id=”21382″ onclick=”lightbox” width=”” align=”center”]
[dt_fancy_image image_id=”21383″ onclick=”lightbox” width=”” align=”center”]

Hungary’s hardline prime minister, Viktor Orbán. Photograph: Radek Pietruszka/EPA

أما حالة فارهاد عثماني، البالغ من العمر 19 عاماً، والذي ترك موطنه إيران لأنَّه لم يتكمن من الحصول على الجنسية الإيرانية؛ بسبب انحداره من أبوين أفغانيين لاجئين- فقد كانت أكثر فجاجة؛ إذ يقول عثماني: “إذا حاولوا إرسالي إلى السجن، فلن أجد مفراً من الهرب إلى دولةٍ أخرى مثل النمسا أو ألمانيا”.

وقال أندراس راكوس، الناشط الاجتماعي في “أولتالوم”، إنَّ الوضع بات يشكل مسألةً أخلاقية للاتحاد الأوروبي. وأضاف راكوس: “نحن قلقون بشأن هؤلاء الناس. إنَّ لديهم ما يكفي من المشكلات، ومن العار أن تتصرف الحكومة حيالهم على هذا النحو”.

وأردف قائلاً: “لكن السؤال الأكبر هنا: لماذا يسمح الاتحاد الأوروبي لكل هذا بأن يحدث؟ حين ترى الدول الأعضاء أنَّ ما يحدث في المجر مخالفٌ لقيم الاتحاد الأوروبي، فعليها ألا ترسل المال إلى هذه الحكومة. فما إن يتوقف إرسال المال، فستجد الحكومة نفسها أمام مشكلةٍ كبيرة، ولن يصوت لها أحدٌ في أي انتخاباتٍ قادمة”.

ويبدو أنَّ أوربان غير مكترث لهذه الاحتمالية، وكان قد أعد خطته على غرار سياسات ترامب لتحويل البلاد إلى دولةٍ “غير ليبرالية”، ودعا إلى تحقيق “التجانس العرقي” في المجر، مدعياً أن سياسة مناهضة اللاجئين التي يتبعها تحمي مسيحية أوروبا.

وفي خطابٍ حديث له، تهكم أوربان على الدول الأوروبية الأكثر ليبرالية بعرضه قبول طلبات لجوء من مواطنيها الناقمين بسبب موجة الهجرة الأخيرة؛ إذ قال: “يمكننا السماح بدخول اللاجئين الحقيقيين: الألمان، والهولنديين، والفرنسيين، والإيطاليين، والساسة والصحفيين الخائفين، الذين يسعون إلى أن يجدوا هنا في المجر أوروبا التي فقدوها في أوطانهم”.

ويعتقد خبراء حقوقيون أن أوربان يخرق عمداً القانون الأوروبي، الذي يتطلب معاملة كل حالة من حالات اللجوء على أساسٍ فردي، في تكتيكٍ محسوب لإبقاء مسألة اللاجئين على أجندة المجر السياسية الداخلية حتى ما قبل الانتخابات العامة التالية بالمجر. وفي الوقت نفسه، وفقاً للخبراء، يرسل أوربان رسالةً إلى اللاجئين، الذين يُقدَّر عددهم بـ7 آلاف لاجئ ويأملون حالياً الوصول إلى الاتحاد الأوروبي من دولة صربيا المجاورة للمجر، مفادها ألا يأتوا إلى المجر من الأصل.

وتقول مارتا باردافي: “هذا أيضاً سيُوقف إعادة طالبي اللجوء إلى المجر بموجب لائحة دبلن، وهو أمرٌ بالغ الأهمية؛ إذ مرَّ 29 ألف لاجئ بالمجر في 2016، وفي حال رغبة دول الاتحاد الأوروبي في إعادتهم، فستكون المجر ملزمةً باستقبالهم. ولكن، في ظل سياسة الاحتجاز الشاملة التي تنتهجها المجر، فربما ستظن دول الاتحاد الأوروبي أنَّ إعادتهم ستشكل انتهاكاً كبيراً لحقوق الإنسان. وبذلك تشكل هذه السياسة تناقضاً مع أساسيات سياسة اللجوء الأوروبية؛ وتشكل صداعاً مؤلماً للمؤسسات والساسة في أوروبا”.

كما يشكل هذا أيضاً أزمةً لطالبي اللجوء، وربما عودةً بائسة للظروف المخيفة التي دفعتهم للخروج من بلادهم في المقام الأول.

ويقول جون، الإيراني المتحول إلى المسيحية، والناشط الديمقراطي البالغ من العمر 33 عاماً: “كنت خائفاً من الحكومة في إيران؛ إذ كان بوسعها أن تصادر حياتي، وأسرتي، ووظيفتي؛ ولكن يمكنني القول نيابةً عن اللاجئين وطالبي اللجوء كافة هنا إنَّنا خائفون من الحكومة المجرية. نحن خائفون على مستقبلنا، وعلى المستندات التي منحتنا إياها الحكومة. نشعر بأن المجر لا تحمل مستقبلاً جيداً في أوروبا، وقد صُدمتُ حين رأيتُ فلاديمير بوتين هنا مؤخراً. بوتين ليس في نظري سوى قاتل. هذا وقتٌ خطر بالنسبة لنا، ومسارٌ خطير للمجر. الناس خائفون بنسبة 100%”.

[dt_quote type=”pullquote”]عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.[/dt_quote]

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية