لاجىء سوري في تايلاند ، ولا يعلم متى سيرحل منها !

بعد انتهاء الصلاة، يشعل نصر، البالغ من العمر 58 عاماً إحدى سيجاراته الستين التي سيدخنها ذلك اليوم. ويهز كتفيه معتذراً “إنها الضغوط الناجمة عن كوني لاجئاً غير شرعي في تايلاند”.

ومع انتهاء صوت الأذان، تتزايد الضوضاء الناجمة عن قوارب الخلونج في بانكوك أثناء نقل الركاب على امتداد الممرات المائية. ويشاهد نصر، المواطن السوري مع اثنين من أصدقائه العراقيين ذلك الصخب متمنياً أن يحصل على وظيفة.

تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية نقل عن نصر قوله: “لا يمكننا العمل. وليس هناك خيارات لكسب المال. ليس أمامنا سوى الانتظار”.

منذ أربع سنوات، كان نصر يعيش في ضواحي دمشق مع زوجته وأبنائه الثلاثة ويتولى إدارة متجر لبيع السجاد، ومع اقتراب الحرب، تغير كل شيء. “بدلاً من الابتسام، أصبح الناس جثثاً هامدة في الشوارع، وحان وقت الرحيل”.

الرحلة إلى تايلاند

[dt_fancy_image image_id=”20728″ onclick=”lightbox” width=”” align=”center”]

قدم صديق من سوريا نجح في الوصول إلى بانكوك نصيحة إلى نصر بأن ينسى أمر السفر إلى اليونان عبر الطرق المفعمة بالمخاطر وأن يحصل على تأشيرات سياحية إلى تايلاند، وهي آخر دولة يوجد لها قنصلية مفتوحة في دمشق.

ويتذكر نصر “كان الأمر بسيطاً للغاية. ذهبنا إلى هناك وتقدمنا بطلب الحصول على تأشيرات دخول –مقابل 100 دولار لكل تأشيرة– واشترينا 5 تذاكر طيران وسافرنا على الفور إلى تايلاند”.

ولم يكن نصر وأفراد أسرته يعرفون الكثير عن تايلاند ولكن صديقه أخبره أنه بمجرد الوصول إلى بانكوك، لن تمضي أسابيع قليلة قبل أن تعيد الأمم المتحدة تسكينهم في مكان آمن.

ويقول نصر “ظننت أنه يمكننا الوصول إلى أوروبا بهذه الطريقة دون التعرض لمخاطر فقدان أفراد أسرتي بالبحر”.

لا يعلم متى سيرحل

وبعد انقضاء أربع سنوات، لا يعرف متى سيرحل بعد. فقد أخبرته وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنه سيتعين عليه الانتظار لمدة عامين على الأقل قبل أن يتمكن من الرحيل.

وذكرت الوكالة أنه يتم تقييم طلبات اللجوء السياسي استناداً إلى مدى استحقاق كل حالة على أساس أن من يصل أولاً يرحل أولاً، مع منح الأولوية للضعفاء والأكثر عرضة للمخاطر.

وخلال فترة الانتظار، يقضي نصر أيامه بين المسجد وشراء منتجات البقالة. “أحاول البقاء بالداخل لأطول فترة ممكنة وأحاول تجنب لفت الأنظار. ولا تعرف مطلقاً ما إذا كانوا سيعتقلونك”.

ويقول نصر أنه وأفراد أسرته يعتمدون على الدعم الذي يقدمه له أشقاؤه وشقيقاته الذين يعيشون بالخارج. فقد فر معظمهم من سوريا قبل بدء الحرب.

هاجس الخوف يلاحقهم

تايلاند ليست من الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين؛ ومن ثم لا تقر وضع اللاجئين ولا توفر لهم الحماية. فقد تضاعف عدد طالبي اللجوء في تايلاند ثلاثة أضعاف خلال السنوات الثلاثة الماضية، بحسب ما ذكرته وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وتقول جنيفر بوز من وكالة شؤون اللاجئين في تايلاند “بمجرد انتهاء مدة التأشيرة السياحية البالغة ثلاثة شهور، يصبح وجودك غير قانوني بالبلاد”. ومنذ تلك اللحظة، يواجه اللاجئون مخاطر الاعتقال أو الترحيل.

وبالنسبة لمئات السوريين المقيمين في تايلاند –الأرقام الدقيقة غير متاحة– تعد الحياة في المناطق المدارية بمثابة تحد دائم. وغالباً ما يمكثون في غرفهم ولا يستطيعون العمل أو الدراسة.

 

وحينما يخترق صوت غير مألوف جدران منزل فيراز الصغير بضواحي بانكوك، يصاب بالذعر الشديد.

وعادة ما تأتي شرطة الهجرة دون سابق إنذار، مثلما فعلوا منذ عامين حينما تم اعتقال أفراد أسرته ونقلهم إلى أحد المعتقلات. وبعد قضاء أسبوعين بالحجز وسداد كفالة قدرها 140 ألف بات تايلاندي، تم إطلاق سراحهم.

ويقول فيراز البالغ من العمر 42 عاماً وهو يجلس على أرضية الغرفة التي يعيش بها مع زوجته وأمه وابنيه “يمكنهم القدوم ليلاً ولا نعرف مطلقاً ما إذا كانوا يأتون لمضايقتنا أو القبض علينا”.

ويعد فيراز لاجئاً من الجيل الثاني ترجع أصول عائلته إلى فلسطين. وفي 2012، حينما وصلت الحرب إلى موطنه في معسكر اليرموك (حي بدمشق يقطنه اللاجئون الفلسطينيون)، فرت الأسرة إلى لبنان. وبعد ما وصفوه بكونه وقتاً عسيراً، قاموا بجمع المال من أجل السفر إلى تايلاند.

وتعيش أسرة فيراز على المنح، إلى جانب المبلغ الشهري البالغ 3000 بات تايلاندي والذي تقدمه له الأمم المتحدة –بسبب المشكلات الصحية التي يعاني منها فيراز– و600 بات لإعاشة الأطفال.

الفقر يحاصرهم

ويقول فيراز “توقفت عن إرسال أبنائي لتلقي دروس في اللغة التايلاندية بمدرسة اللاجئين المجانية. فالحافلة تكلفني 70 باتاً يومياً، ولكني أستطيع أن أطهو وجبة كاملة مقابل هذا المبلغ”.

وتحتوي ثلاجته على جزر ذابل وكرنب وعلبة سردين منتهية الصلاحية. “هذا هو الطعام الذي أوفره لأسرتي. لا يمكنني النوم. وأواصل التفكير في كيفية البقاء على قيد الحياة في اليوم التالي. وما الذي سأجلبه لهم من طعام”.

وجراء مخاوفه بشأن توفير الطعام، يتمنى فيراز لو أنه لم يكن قد حضر إلى تايلاند، رغم أنه يقول أنه بخلاف مسؤولي الهجرة، فإن المواطنين ودودون للغاية.

وترى زهرة البالغة من العمر 15 عاماً الأمر بصورة مختلفة. فهي تشعر بالسعادة لأن والدها طبيب الأسنان السوري قد صحبها هي وشقيقاتها وأمها إلى تايلاند ولم يختر سلوك الطريق إلى أوروبا عبر اليونان على غرار معظم أفراد أسرتها. وتقول زهرة التي تم تدمير منزل أسرتها في دمشق “أولاً تفر من الموت في سوريا. والمحظوظون فقط هم الذين يفرون من الموت للمرة الثانية في البحر”.

لم تتمكن زهرة على مدار أكثر من عامين من الذهاب إلى المدرسة. ونادراً ما تغادر منزلها في بانكوك. وتقول “الخروج ليس آمناً”. وتقضي معظم أيامها في القراءة.

وتعتمد الأسرة على الدعم الذي يقدمه مركز اللاجئين في بانكوك، الذي تتولى وكالة الأمم المتحدة للاجئين إدارته، بعد أن أصبح والدها غير قادر على العمل.

ومع ذلك، هناك مستقبل أكثر إشراقاً ينتظرها. فقد تلقت أسرتها أوراق إعادة التوطين في الولايات المتحدة. وتقل نسبة المحظوظين من اللاجئين الذين يحصلون على مثل ذلك العرض عن 1%.

وتشعر زهرة بالسعادة البالغة بشأن تلك البداية. وتقول “سوف أفتقد تايلاند. لم يكن الأمر سهلاً ولكنه أفضل من العيش وسط نيران الحرب”.

[dt_quote type=”pullquote”]بتصرف عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.[/dt_quote]

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية