وَقّع الرئيس الروسي مشروع قانون “الإنترنت السيادي” الذي يسمح للسلطات بعزل إنترنت البلاد عن العالم. ما عواقب ذلك على حرية الوصول للمعلومات؟ ومن هي الدول التي سارت موسكو على خطاها؟
ينصّ القانون الجديد على استحداث آلية لمراقبة حركة مرور الإنترنت في روسيا وإبعادها عن الخوادم الأجنبية، ظاهرياً بهدف منع بلد أجنبي من التأثير عليها. ومن المتوقع أن يدخل القانون حيز التنفيذ في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
وبموجب القانون الجديد سيحتاج مزوّدو خدمة الإنترنت في روسيا أيضاً إلى ضمان امتلاك شبكاتهم الوسائل التقنية “للتحكّم المركزي في حركة المرور” لمواجهة التهديدات المحتملة.
وستمرّ هذه المراقبة بشكل خاص عبر جهاز الأمن الفدرالي الروسي “أف أس بي” والهيئة الروسية للرقابة على الاتصالات “روسكومنادزور” المتّهمة بأنها تحجب المحتوى على الإنترنت بشكل تعسّفي.
وفي السنوات السابقة حجبت السلطات الروسية مواقع مرتبطة بالمعارضة وأخرى رفضت التعاون معها مثل “دايلي موشن” و”لينكدان” و”تليغرام”.
بكين “القدوة”
وأورد بيان دعمته منظمات، من بينها “هيومن رايتس ووتش” و”مراسلون بلا حدود”، أنّ “القانون أنشأ نظاماً يعطي السلطات القدرة على منع الوصول إلى أجزاء من الإنترنت في روسيا”. وأضاف البيان أنّ الحظر سيكون “خارج نطاق القضاء ويفتقر إلى الشفافية”.
ومن جهته حذر الخبير الهولندي يوريس فان هوبوكين من أن روسيا وضعت بذلك الإطار القانوني لتعطيل الدخول إلى بعض مواقع الإنترنت وتشديد الرقابة على بعضها الآخر.
وفي هذا المضمار يبدو أن روسيا تتخذ من الصين قدوة لها. طورت الصين منذ عقود نظاماً معقداً للرقابة على الإنترنت. ووصفت منظمة “Freedom on the Net” في تقرير لها يعود لتشرين الأول/أكتوبر 2018 الصين بأنها “أكثر بلد تعرضت فيها حرية الدخول للإنترنت للتضيق”. ويوجد في الصين منصات شبيهة باليوتيوب والواتساب وتويتر يمنع فيها تداول محتوى ناقد. ولا يعرف الشباب الصيني، الذي لم يسبق له السفر إلى الخارج، المنصات السابقة الذكر إلا من اسمها. وبهذه الطريقة يتحكم الحزب الشيوعي الصيني بما يصل للناشئة من معلومات.
ويلفت الخبير الهولندي النظر إلى الجوانب الاقتصادية للرقابة على الإنترنت في الصين: “وحتى قوة اقتصادية مهولة كالصين تحرص على أن يكون لها شركاتها الخاصة بهدف الربح. نذكر هنا محرك البحث “بايدو” Baidu على سبيل المثال لا الحصر”، مشدداً على أن القضية لا تقتصر على الأبعاد السياسية.
كوريا الشمالية “المثل الأعلى”
من المهم هنا لفت النظر إلى أن الرقابة على الإنترنت تشددت في كل دول العالم. وأشار التقرير الآنف الذكر لمنظمة “Freedom on the Net” أن حرية الإنترنت تقلصت في السنوات الثمانية الماضية. ففي كوريا الشمالية شبكة الإنترنت محجوبة بالكامل والمحتوى الذي يمكن الدخول إليه لا يتعدى بعض المواقع الكورية الشمالية.
وتتراوح الأسباب التي تعلنها الدول لتشديد الرقابة بين سياسية إلى أخرى تتعلق بحماية الأطفال. وتقول منظمة “Freedom on the Net” أن في نصف الدول التي تم التشديد فيها كان لذلك علاقة بالانتخابات. وفي سريلانكا تم حجب شبكة الإنترنت جزئياً بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة لمنع انتشار الشائعات.
وحتى في الديمقراطيات الراسخة!
لا يقتصر التضيق على حرية الوصول إلى الشبكة العنكبوتية على الدول الاستبدادية، بل أن الدول الديمقراطية نفسها ليست محصنة. ففي ألمانيا على سبيل المثال أثار قانون يجبر شبكات التواصل على حذف خطاب الكراهية الكثير من النقاش في أوساط الرأي العام.
وحتى على مستوى الاتحاد الأوروبي يثير الأمر الكثير من الجدل. “قوانين تنظيم الإنترنت يجب أن تحقق التوازن بين الأمن والحرية وحماية البيانات الشخصية”، حسب ما ترى المتحدثة باسم شؤون شبكة الإنترنت في حزب الخضر الألماني، توبيا روسنر، مؤكدة على أنه يجب أن تكون هناك عقوبات رادعة للأفعال الجرمية أيضاً.
ولكسر الحجب على بعض المواقع في بعض الدول أطلقت منظمة “مراسلون بلا حدود” عام 2015 حملة
ولكسر الحجب على بعض المواقع في بعض الدول أطلقت منظمة “مراسلون بلا حدود” عام 2015 حملة #CollateralFreedom. ويتم في كل عام في “اليوم العالمي للرقابة على الإنترنت” (12 آذار/مارس) كسر الحجب. وفي هذا العام نجح الأمر في ثلاث منصات في كل من السعودية والصين وباكستان.
السياسية من حزب الخضر، توبيا روسنر، ترى رغم كل التضيق على حرية الإنترنت بعض الأمل: “سيكون هناك وعلى الدوام أناس أذكياء وعلى دراية كاملة بطرق الالتفاف على الحجب والتضيق”. بيد أن روسنر تعترف أن المهمة ليست سهلة وخاصة في النظم الاستبدادية.