سُئل حكيم سوري في المهجر الألماني، والحكيم هو كاتب هذه السطور، فيما إذا كان السوريون يحتفلون بأعياد الميلاد، فقال: إن الاحتفال بعيد الميلاد الشخصي بدعة محدثة لم يكن السوريون يعرفونها قبل سبعين سنة، وقد وفدت مع الاستعمار، بل إن الاستعمار نفسه لم يكن يعرفها، ولم تدرج إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وحلول عصر الرفاه الأوروبي. وأغلب الظن أن للاحتفال بعيد الميلاد الشخصي صلة بالاحتفال بعيد ميلاد المسيح، وصلة بقتل الإله وموته بتعبير نيتشه. وكانت نهاية الإله الغربي نهاية متوقعة، فالإله الذي يولد سيموت.
كانت أعياد السوري قبل الاستعمار أقل عدداً، لكن سعادته كانت أكبر، وكان ثلثا الشعب السوري يحتفل بخمسة أعياد، هي: عيد الأضحى، وعيد الفطر، أما يوم ميلاد الوليد فيحتفل به والد المولود مرة واحدة في العمر، وكانت كعكته هذه التي ينصب فيها الشمع وليمةً، ولم يكن فيها شموع، ولم يكن بطل العيد يقوم بالنفخ عليها كما ينفخ في الصور فيصفق له المدعوون على المعجزة.. كان الأب يذبح عقيقة لمولوده، وهي ذبيحة، قد تكون شاة أو شاتين أو كبشاً، يدعو إليها الأهل والأقارب والجيران، وكان ينفخ على النيران تحت الأثافي، فالنيران لم تكن شمعاً وإنما وقوداً للوليمة. وهناك عيد رابع هو عيد الحج، وهو الذي يرجع فيه الحاج كيوم ولدته أمه، فهو عيد ميلاد ثان.. وعيد موت الشخص، وهو عيد حزين، المجموع خمسة أعياد.
كل يوم من أيام السنة هو عيد للاحتفال بالرئيس، فصور الرئيس تزيّن الشوارع طوال أيام السنة الكبيسة وغير “الكابوسية”
لم يكن حافظ الأسد يحتفل بعيد ميلاده علانيةً مثل صدام حسين، مع أن حزبه حديث وانقلابي، كما تقول أدبيات حزبه الميمون، ومستورد من ألمانيا، والسبب في عدم احتفال الأسد الأب بعيد مولده هو في ظننا أنها ستكون سابقة سورية، فلم يكن الرؤساء يحتفلون بأعياد ميلادهم جهرا، والثاني أن عيد مولده هو يوم جلوسه على العرش، أو على صدر الشعب فكتم أنفاسه، فكان عيد مولده هو عيد الحركة التصحيحية، وكان أكبر أعياد الدولة الكثيرة، على الإطلاق، ولا حاجة به للاحتفال بعيد ميلاده، بل إن كل عيد وطني قديم أو محدث، مثل عيد الجلاء وعيد الثامن من آذار، هو عيد للاحتفال بالرئيس، وتنسى المناسبة الأصلية أو تندمج وتذوب في شخص الرئيس.
بل إن كل يوم من أيام السنة هو عيد للاحتفال بالرئيس، فصور الرئيس تزيّن الشوارع طوال أيام السنة الكبيسة وغير “الكابوسية”، ذلك أن الأسد كان يدرك أن الاحتفال بيوم مولده سيذكّر بعمر الرئيس وتقادمه. بل إن العلج كان يسرق عيد المولد النبوي وذكرى الأسراء والمعراج ويحولهما إلى عيد للدعاء له والاحتفال به. هو سارق كل الأعياد، ويُظن أن سبب عدم احتفاله بعيد مولده ليس عدم تقليد الغرب، فهو يقلده في كل شيء، الرأي عندنا هو تثبيت الزمن.
أما صدام حسين البدوي، فكان يحتفل بعيد ميلاده، أو صار يحتفل به مؤخراً إبان الحرب مع إيران، وقال مبرراً في لفتة خطابية لا تخلو من الذكاء والشطارة، إبان احتفاله بأحد أعياد مولده: إن المرء يحتفل بعيد مولده ليدعو أصحابه، وهو يدعو الشعب إلى عيد مولده السعيد، مع شكّنا بدقة تحديد يوم مولده، وهو ليس مهماً، فملكة بريطانيا تحتفل بعيد ميلادها مرتين في السنة، مرة في يوم مولدها مع أسرتها الملكية في قصر بكنجهام، وهو يوم شديد البرودة تشفق فيه الملكة على الشعب من دعوته للاحتفال، ومرة ثانية في يوم آخر، وذلك لدعوة عدد أكبر من الجمهور للمشاركة في الاحتفال. وكما هي العادة، “تجول الملكة خلال الاحتفال في موكب حافل على الخيول في الشوارع البريطانية وتحديداً في الساحة الكبيرة أمام قصر وايتهول، ثمّ تقف على شرفة قصر بكنجهام مع أفراد العائلة المالكة لتلقي التحية على الجمهور. ويرافق الاحتفال إطلاق 41 طلقة مدفعية تحية من هايد بارك، و21 طلقة بندقية من حديقة وندسور العظمى، و62 طلقة بندقية من برج لندن”..
إذاً يمكن صياغة أنواع الاحتفالات بعيد الميلاد كالتالي: ملوك يحتفلون بعيدهم يوماً في السنة مثل صدام حسين ويدعون أصدقاءهم، وملوك يحتفلون بعيد ميلادهم عدة أيام مثل ملكة بريطانيا، ورؤساء يحتفلون بعيد ميلادهم كل أيام السنة، مثل حافظ الأسد، لكن بأسماء حركية. وقد أفادنا عنصر المخابرات السابق والمنشق سليم حذيفة، المهاجر إلى بريطانيا، أن عناصر القنصلية كانوا مغرمين بهدايا الشمعدانات البريطانية لاستعمالها في التعذيب!
ولم يكن الشعب السوري يعرف أن لميلاد بشار الأسد عيد سوى قبل ثلاث سنوات، وقد تذكّر جمهوره أن له عيد ميلاد في الحرب أيضاً. فوجئ الشعب السوري بالأمس بجمهور بشار الأسد يغني له في يوم ميلاده، “هابي بيرثدي تو يو”، وكان ذلك في مناسبة حضوره فلماً لنجدت أنزور اسمه “دم النخيل”، سبى فيه نجدت أنزور ملكة تدمر مرة ثانية، أما تفاجؤ الأسد بالعيد فهو كاذب، فالمخابرات تكره المفاجآت.
المخابرات عملها هو إخماد المفاجأة وحظرها حظراً تاماً.
وسبب احتفال الرئيس بالعيد الجديد، الذي فوجئ بالتهنئة الجماعية كما يفاجأ الأطفال في أعياد الميلاد، أن جمهور الأسد بحاجة للعيد بعد حرب دامية قتلت مئات الألوف من الشعب، معارضين وموالين، للقول إن الحرب “خلصت” وحلّت أيام الربيع، مع أنّ الأعياد لم تتوقف في الحرب، ولم يُرَ الملك السعيد ذو الرأي السديد، والبوط الحديد، حزيناً قط، ولا باكياً قط، ويظن أنّ الأسد قد وُلد ولادة سياسية جديدة، فثمة إرهاصات تشي بعودته إلى المشهد السياسي العربي ومسرح الجامعة العربية. فدول الاعتدال خائفة من إيران التي تزداد حضوراً في سوريا، وتريد منافستها في الحضور والصراع على سوريا من الداخل.
تسعى دول محور الاعتدال إلى إعادة رئيس دولة محور المقاومة إلى الجامعة العربية لولا معارضة أمريكا، التي تؤجل العودة إلى حين تعقيم سوريا تعقيماً تاماً. وتقول تحليلات كثيرة إنَّ تركيا لن تمانع في عودته، بحكم الأمر الواقع الذي لا مفر منه. فتركيا لا تستطيع وحدها مقاومة روسيا وإيران، وأمريكا التي تريد الأسد حاكماً لكن شديد الضعف، ولم يُرَ الشعب منذ يوم ميلاده سوى الشؤم والخراب. وقد انهارت الليرة التي ستسندها دول محور الاعتدال نكاية بالإسلام الذي يطلقون عليه صفة السياسي.. ستكون سوريا ضعيفة، هشة، تابعة، وسيكون حال بشار مطابقاً للمثل الكردي الذي يقول: يعزف على الطنبورة ومؤخرته عارية.
ويصادف يوم مولده الميمون الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، وهو اليوم الذي سقط فيه البرجان التوأمان. وقد احتفل جمهور الأسد وموالوه بدم النخيل وشمعة الأسد الرابعة والخمسين، وكانت مواقع أبحاث قد رصدت انخفاض معدل الأعمار في سوريا سبع سنوات عنها قبل الثورة، ذلك في الكم كما يقول محللو الاقتصاد، أما معدل الأعمار في سوريا في النوع، أي في السعادة، فكان قد انخفض منذ أن تولت هذه الأسرة رقاب الشعب السوري إلى معدل عمر المسيح عليه السلام عند “صلبه”.
مثل الشعب السوري مثل المسيح:”ما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبّه لهم”.
عن العربي الجديد والصفحة الشخصية للكاتب على منصة الفيسبوك