اعتمدت وزارة الخارجية الألمانية صورة التقطها مصور سوري لاجئ لتكون النسخة النهائية من البطاقة البريدية التي ستعايد بواسطتها ألمانيا دبلوماسيي العالم في مناسبة الميلاد ورأس السنة الجديدة، حيث ستوزّع منها وزارة الخارجية الألمانية 1500 بطاقة حول العالم، لتصل قبل عطلة الميلاد إلى سفارات العالم التي تتواصل معها الحكومة الاتحادية الألمانية وإلى أعضاء من السلك الدبلوماسي.
وزير الخارجية الألماني هايكو ماس كرّم في حفل رسمي أقيم لهذا الصدد، اللاجئ السوري مؤنس بخاري الذي قدم إلى ألمانيا أواخر عام 2015، وقام بإهدائه نسخة من البطاقة البريدية موقعة من وزير الخارجية.
وكان بخاري قد تنافس بهذه الصورة مع العديد من الفنانين والمصورين الألمان، بيد أن صورته حازت على إعجاب اللجنة المختصة، لترفع توصية إلى وزارة الخارجية، ليتبين بعدها أن صاحب الصورة هو اللاجئ السوري البخاري.
وهذه هي المرّة الأولى التي تختار فيها الحكومة الاتحادية عملاً فنيّاً لفنّان غير ألماني لطباعته على بطاقة الميلاد، والمرّة الأولى التي تم فيها اختيار عربيّ سوريّ،
وفي لقاء حصري مع «القدس العربي» أعرب الفنان بخاري عن سعادته لاختيار صورته بشكل رسمي لتمثل ألمانيا في أعياد الميلاد ورأس السنة، معتبرا أن هذه الجائزة ليست فخرا له فقط، بل أنها فخر لجميع السوريين في العالم.
وعن لقائه بالوزير ماس قال: شكرني الوزير على العمل الفنّي الذي انطبع على بطاقة عيد الميلاد البريدية الألمانية لهذا العالم، وقدّم لي نسخة من البطاقة موقّعة بقلمه شخصياً… وخاطبني مازحاً: «هي صورتكم نعيدها لكم مع توقيعنا! كان المفروض أن نرسلها بالبريد، لكن وطالما سنراكم اليوم فها هي»، وقدّم لي المظروف المختوم وفيه البطاقة.
أما عن جمالية الصورة فيقول المصور السوري: التقطت الصورة لجسر أوبرباوم في برلين ساعة الغروب، واخترت هذا الموقع بسبب خصوصيةٍ تاريخيةٍ للجسر وموقعه العام، إذ أنّ قليلاً من الألمان اليوم يعلمون أنّ أهل برلين منحوا جسر أوبرباوم لقب جسر اللاجئين خلال فترة الحرب الباردة، حين قسّم جدار المدينة، وكثيراً ما عبر النازحون من ألمانيا الشرقية صوب الغربية على أو تحت هذا الجسر، أملاً بتجاوز الجدار والأسلاك الشائكة والحدود السياسية التي كان قد خطّها الاحتلال لتقطيع البلد.
ويتابع: تقصّدت اختيار ميعاد الغروب لصورتي، إذ أنّ جميع الصور المشهورة عن برلين تقدّمها مدينة جافّة و«عصريّة» مع الكثير من الأجواء الصناعية والاقتصادية القاسية، لكنّي وقد أقمت في هذه المدينة ستّ سنوات حتّى اليوم بتّ أرى فيها رقّة ورومانسية، تغيب عن التصوّر المطبوع في أذهان الناس حول العالم.
كما يلاحظ جليّاً اختلاف النمط المعماري بين شرق برلين (يمين الصورة) وغرب المدينة (يسار الصورة)، هذه من آثار حدود الانقسامات التي قطّعت مدينة برلين طيلة خمسة عقود؛ تطوّر خلالها كلّ نصف من المدينة مختلفاً عن الآخر، مع ذلك تتعايش اليوم برلين مع نفسها، بينما تسعى أجزاء المدينة للتقارب والتشارك أكثر فأكثر. وهكذا كانت صورتي لغروب الشمس الرومنسيّ خلف جسر أوبرباوم وخلف كلّ التاريخ القاسي، وخلف الجانب الغربي الدافئ من المدينة، حيث لم يزل النصف الشرقي مشرقاً بكلّ همّة.
وطبعت الصورة على ورق أسترا فاخر حيث تظهر الطباعة النمط الكلاسيكي للصورة، بينما يعرض الوجه الخارجي الصورة وكأنّها مطبوعة على ورق شديد الوضوح وبألوان حقيقيّة. وستحمل كل بطاقة من الداخل توقيع الوزير هايكو ماس Heiko Maas، رأس وزارة الخارجية الاتحادية لألمانيا.
بني جسر أوبرباوم سنة 1732 من الخشب، ونال اسمه بسبب تكوينه من طبقتين، جسرين يحملان بعضهما، فكلمة أوبرباوم بالعامية البرلينية معناها «الذراع الفوقانية» تشبيهاً بذراع جذع الشجرة. وكان الناس يسمون الطريق النهرية أسفل الجسر بالأونترباوم، أي الذراع التحتانية.
في البداية كان الجسر عبارة عن بوّابة من بوّابات سور مدينة برلين، يفصل الضواحي عن المنطقة الأميرية داخل الأسوار. وأعيد بناؤه وتطويره عدّة مرّات، أهمّها كان في سنتي 1879 ومن ثمّ 1896 حين تحوّل بكامله إلى جسر معدني- حجري. وسنة 1902 أضيفت عليه سكة المترو (الأوبان) لأوّل خطوط مترو في برلين.
نهاية الحرب العالمية الثانية فجّر الجيش الألماني البوّابة وسط الجسر في محاولة لكبح تقدّم القوّات الروسية. ثمّ صار الجسر فاصلة بين منطقتي الإدارة السوفييتية والإدارة الأمريكية لقطاعات برلين تحت الاحتلال.
سنة 1961 عبر جدار تقسيم برلين نهر شپري فصار جسر أوبرباوم أحد المعابر الحدودية بين البلدين، الشرقية والغربية، وصار عبور الجسر شبه المستحيل، من الشرق نحو الغرب خطوات خلاص من أشنع نظم الإفقار والتجهيل في أوروبا، وبهذا حمل الجسر رمزية النزوح واللّجوء ولقبه الناس بجسر اللاجئين.
بعد سقوط جدار برلين أزيلت الجدران المبنية على جسر أوبرباوم، ومن ثمّ أعيد ترميمه سنة 1994 وأعيد مدّ خطوط المترو لتصل بين ما كان سابقاً برلين الشرقية وبرلين الغربية؛ باتصال أحياء ڤارشاور على الشرق وكرويتسبيرغ على الغرب، وأعيد افتتاح محطة ڤارشاور للسكك الحديدية، التي لم تزل قيد البناء والتطوير حتى اليوم.