فكرة تأسيس هيئة مجلس حكماء، تطوعي غير مرتزق، ليست جديدة، ولكنها غير محبذة، لأسباب يطول شرحها في سياق الكارثة السورية، ولكن مهمة المجلس الحالية في أن يكون صوت السوريين المستقل والمقبول دوليا، والمحترم داخليا وبين السوريين، بعيدا عن التمويل الخليجي، أو الاستهزاء الروسي، أو الاستخفاف الأمريكي، والخلاص نهائيا من الاستخذاء المالي من أي جهة كانت، والمجلس ليس حزبا، ولا حركة سياسية انتفاعية، انها مسؤولية الضمير الوطني أمام مأساة إنسانية لا يبدو لها نهاية حتى مع السقوط الحتمي لنظام الحكم العائلي، الحالي .
بيان أولي لتشكيل مجلس هيئة حكماء تنقذ السوريين
لأن البعض استأجر قضية السوريين كما استأجر البعث شعارات الحكم الفاشي للجريمة الإنسانية، نظرية وتطبيقا طوال عقود .. وجاء بآل التوحش بتفاهمات دولية متجذرة، في تبديد الثروات وبيع الأوطان وتهجير الناس، تُثبِتُه وقائع الأحوال، ستكشف عنه الوثائق، في تسريباتها التي قد تظهر بين الفينة والأخرى، وهذا الصمت الملتبس عن الجرائم التي سمع بها الأصم ورآها الأعمى.
مع ظهور مؤسسات شكلية للمعارضة السورية، وبروز النسخة الأكثر تشويها عنها، التي لازالت تبيع الأوهام للناس، وتجتر التكرار، ولا أحد يُقيّمُها أو يصغي اليها في دوائر القرار السياسي الدولي عموما، والأمريكي خصوصا. بالرغم من كل الإبتسامات الكاذبة، والتهريج والإدعاءات لرموز المعارضة، التي حاولت أن تظهر في كادر الصورة طوال السنوات الماضية، شهدها الناس الى حد التدافع أمام ميكروفون الصوت وعدسات البث الحي.
لذلك كان جزءا من مسؤولية بقاء الأسد ونظامه حتى اليوم، رهنا بأداء هيئة التفاوض ومنظومة الإئتلاف التي سيطر عليها منذ البداية أصحاب اللحى، ردا على المظلومية البعثية خلال العقود الماضية، ودفعت بالمشهد السوري الى ما وصلت اليه الحال اليوم.
ولم يعد سرا اليوم أن الإستخبارات السعودية والقطرية، ولم تقصر صنوها التركية، بالدفع بأشخاص بعينهم، ودعم شخصيات، غير جديرة بمسؤولية الحراك، والإنتفاضة الشعبية العارمة التي انتهت، عند أبريائها الذين أمسوا خلف المعتقلات، أو تحت التراب، والبقية الباقية مهجرين في الشتات والمخيمات.
لقد أُريد للمأساة السورية أن تكون صورة أفظع من المأساة الفلسطينية، باستطالة أمدها بهذه الصورة، حوَّلها لواحدة من أسوأ كوارث القرن الواحد وعشرين، بحسب تصنيفات عالمية لمراكز البحث.
وعندما قَدَّمتُ مشروع ورقة، بأفكار مختصرة هي مجموعة أفكار سريعة دونتها على شاشة الموبايل ووضعتها على صفحتي “بالفيس بوك”، لاقى بعضها قبولا واستحسانا، عند البعض، وحماسة عند آخرين، ولاقت أيضا انتقادا واسعا في بعض مفاصلها، وهذا الانتقاد كعادتي في طرح الأفكار أرحب به، فأنا لا أكتب نصا مقدسا، ولا أنقل دستورا، انه مجموعة من الأفكار والتجارب الإنسانية الحية، في علم الاجتماع وارتباط الثورات، بالنزعة الثأرية، وتحليل دوافعها، أضعها بين آراء الناس، ولا أدعي أي شرف أو قيمة مضافة بتنفيذها، أو أن أكون أحد أفرادها، فهي بنود يمكن الإستفادة منها، أو البناء عليها وتطويرها، وهي بالتالي ليست مقدسة للمراجعة، ولا تقبل النقاش، كما يدعي “الشوفينيون” والمتشددون لأفكارهم..
أولى هذه البنود يأتي على الشكل التالي :
هيئة مجلس الحكماء السوريين هيئة استشارية غير تنفيذية، مستقلة، تطوعية، وتجتمع وتصدر بيانا تمثل فيه الحس الوطني والأخلاقي المتزن، لكافة السوريين في جميع مناطقهم وبلدانهم وقراهم.
هيئة مستقلة وتطوعية
– تتألف من عشرين شخصية منتخبة من قبل السوريين في الداخل والخارج ..
– التمثيل مناصفة بين الرجال والنساء 10 /10
– ليس هناك من تمثيل طائفي او مناطقي او اثني، جميع الشخصيات هم من اصحاب الكفاءات العلمية والوطنية والتاريخية المتفق حولها والمشهود لها حضورا انسانيا وفكريا لا جدال عليه .
– الانتخاب بالتوقيت والتصويت الحر .. قد يفضي الى اقتراح شخصيات غير متفق عليها بحكم العشائرية او القبلية او الطائفية، التي يتمترس حولها السوريون اليوم .. لذلك ودرءا لهذا المحذور، يقرر الحكماء المتفق عليهم مبدئيا تقرير الشخصيات غير التوافقية، والتي وجدت طريقها الى المجلس، عبر كثافة أصوات المُنتَخِبين.. اَي ان شعبية المرشح لن تكون سببا في صعوده مجلس الحكماء.. مالم يتم التوافق عليه من جميع الأعضاء بلا تحفظ…
– يمكن اختصار الوقت بتكوين نواة مجلس الحكماء من خمسة مؤسسين يتوافقون على ترشيح اسماء الحكماء الذين سيخضعون للتصويت الشعبي .. وقد يتم ترشيح عدد غير محدد يمكن اصطفاء نخبة الحكماء منهم ..
-من المتوقع نشوب الخلافات في تشكيل المجالس، وعند التصويت على الآراء والإقتراحات، لذلك يمكن الرجوع الى التصويت الشعبي الإلكتروني خلال ساعات، ويتحمل المصوتون الشعبيون المسؤولية التاريخية عن أي قرار خلافي.
القسم الثاني من هيئة مجلس الحكماء المستقلين :
– مجلس الحكماء ليس فيه رعاع وجهلة، لقد جرب الشعب السوري ثقافة أفكار الرعاع تحت مختلف التسميات، في السابق واللاحق اليوم، في هيئات الائتلاف المحتَضِرة .
ومجلس الحكماء ليس برلمانا لكي يحوي عمال وفلاحين، مشكلة الثورة السورية اليوم هي في ثقافة الفلاحين ..وهذا ليس امتهانا او تقزيما لدور هذه الشريحة التي انتفضت بوجه الظلم الإنساني، بل في جوهر العقلية الفلاحية التي لا تتغير سواء في حقول الرز بالصين ام عند رعاة البقر في الأرجنتين[1].. ويقول “جان بيشلر”[2]استاذ الأبحاث الاجتماعية في السوربون، ان الأفكار التغييرية في المجتمعات لا تنشأ عند الطبقات المسحوقة بالفقر، والمنشغلة باليومي، كما هو شائع في الاذهان ( يعتبر ثورة اسبارتاكوس استثناءا تاريخيا لم يتكرر) اذ ان ثورات الغوغاء والفلاحين، وبسبب من عقد النقص وقبل ان تنتصر .. اول ما تفعله هو ان ترتدي القبعة التي تحرص أن يكون عليها ريشة، وتمسك بالسوط تقُلداً بظالميها ..
– مجلس الحكماء هو خافض للتوتر الذي ينجم عن العنف اللفظي او السياسي بين الأقطاب والتيارات المتصارعة، او المختلفة، ويوجه نقمتها باتجاه إيجاد حلول قابلة للتنفيذ للخلاص من البؤس الانساني، الذي يؤدي غالبا الى عنف وحشي كما يحصل اليوم حتى بين الطائفة والقبيلة والاسرة الواحدة.
– مجلس الحكماء له وزن دولي وشعبي .. ولن يُحترم شعبيا مالم يكن له صوت وحضور في التأثير على القرار الدولي، لذلك عندما ينتخب هذا المجلس، تُعلم عنه الدول ووزارات
[1] أتمنى أن لايساء تقييم في هذه النقطة تحديدا بإعتبارها تحلل ذهنية، ولا تنتقد حالة أو شريحة إنسانية واجتماعية مقدسة بالنسبة الي شخصيا في انتاجها الغذائي منذ الألف التاسع قبل الميلاد مع اكتشاف الزراعة لأول مرة في الأرض السورية ( عن كوفان ) .
[2] رئيس قسم الأبحاث الاجتماعية في جامعة السوربون، ومن مؤلفاته ( الظواهر الثورية ) .
خارجياتها، عن تأسيس هذا المجلس التطوعي، البعيد عن الاصطفافات الضيقة، ويَنْظُر الى مصلحة الشعب السوري، في اَي قرار داخلي او خارجي يُتخذ نيابة عن الشعب السوري.
-يكون مناهضا تماما لما يحصل اليوم بالأوامر الروسية او الايرانية التي تتحكم بمفاصل الدولة السورية، وتصدر التصريحات المسيئة بحق مقام الرئاسة الفارغ عن اَي محتوى وطني، مستقل ومحترم، وهذه نقطة بالغة الأهمية.
-من أسباب فشل ثورات العبيد، عبر التاريخ الانساني، التي ما كانت لترحم احدا، بدافع من نزقها، هو افتقارها لعنصر الحكمة وضبط الغرائز الوحشية، لهذا كان مصيرها الفشل المحتوم، فلم ينجح العبيد في صنع ثورة حقيقية، والغريب ان زعماء العبيد الثائرين ضد المجتمع الظالم، اذا ما انتصروا واستتب لهم الامر في حالة مؤقتة، أعادوا بناء المجتمع كما كان، ان لم يكن أسوأ، وهكذا كان شأن العبيد الثائرين على العبودية عبر التاريخ ، فإذا انتصروا في معركة من المعارك، استعبدوا الأحرار ( العلوية السياسية ثم التيارات الجهادية ) ( داعش والبعث والتنظيمات الفاشية المستترة ).
-لقد اريد للثورة السورية ان تبدو كذلك، في العنفية المفتعلة، عند البداية الصادمة، للنظام، الذي سعت استخباراته، ثم الحرس الثوري الإيراني، الذي ابعد قرار النظام الامني، بعد تفجير خلية الأزمة في تموز 2012، لأن تبدو ظواهرالثورة، وتقلباتها امام المجتمع الدولي والعالم بهذا المشهد الدامي الفاجع.
– لقد كانت بعض ثورات الفلاحين ( حركة البعث 1963 لاترقى الى مصاف الثورة ) من خلال انتفاضاتهم، لا يفعلون شيئا لتغيير البيئة الاجتماعية التي عانوا منها هم بالذات، بل يغيرون الألقاب والتسميات والشعارات ..
– المرحلة القادمة ليست بحاجة الى هتافين وراقصين وناشطين ثوريين، تشابه المهازل المضحكة التي تجري حتى اليوم على تلال الخراب تحت رعاية المستأجرين الجدد للنظام الطائفي.
التركة السورية بالغة الخطورة والتعقيد الانساني والاجتماعي، بعد تحقيق الشعار السيء الذكر ( الاسد او نحرق البلد ) مع وهم الإنتصارات التي تنطلي على السذج، أو المرتبطين برغيف الخبز الذي يمسك به النظام وأعوانه.
-الوضع الحالي بحاجة الى مجلس حكماء، في علم الاجتماع والتاريخ والاقتصاد وسائر العلوم الانسانية التطبيقية.. خصوصا مع مشاريع أخطر للتغيير الديمغرافي، وجلب سكان جدد، وتوطينهم بشكل متعجل في قرى ومدن بأكملها.
-الثورة كانت بحاجة لمصور وشاعر هتاف .. واليوم الخراب بحاجة لعقل يستوعبه، وحلم يبنيه، وارادة تُحيّيه، وبالنهاية كان مجلس الحكماء عند القبائل البدائية، آلية لفهم الاخطار المقبلة، من غزو او دمار. واليوم مجلس الحكماء حاجة لكسب الاحترام الدولي .
– في نص سابق نشرته في احد المواقع[1] ، بينت فيه لأول مرة، كيف جلب بشار الاسد رجالات ابيه المبعدين والمتقاعدين ( دوبا ، ناصيف ، الخولي وغيرهم ) باعتبارهم مجلس حكماء القبيلة العلوية، عند اهتزاز عرش الحكم في تونس ومصر، بداية العام 2011 وقبل ان يبدأ اَي مظهر من مظاهر الحراك الشعبي، الذي انتفض بعد الخامس عشر من آذار 2011 .
وكان رأي هؤلاء بالإجماع الطائفي ( الحكيم ) استخدام القبضة الحديدية، والمبادرة بضرب التظاهرات، استخدام كافة صنوف الارهاب الجسدي والنفسي العنيف، لكل من يتجرأ على التنديد بحكم الأسد، وأركان نظام العبيد المستَأجر، والدفع بشرائح شهيرة من وعاظ (الحكمة) الدينية الذين اشتغلت على (حكمتهم )استخبارات النظام، طوال عقود، حتى اللحظة التي يتم استخدامهم بها كإمعون ..
مايهمني شخصيا في ختام هذه العجالة، أن تكون ملهمة لمن أراد أن يضعها موضع التنفيذ، وهي باعتقادي ليست صعبة ولا مستحيلة، ولكنني شخصيا لا أضع نفسي في موضع تنفيذها، لأنني أؤمن بأن هناك شخصيات سورية أجدرُ مني، على القيام باجراء الاتصالات وتكون مقبولة من الداخل والخارج السوري، ولا أريد أن أذكر أسماء بعينها، ولكنها موجودة ومتاحة في تحقيق هذه المسؤولية، بإثبات عمق حكمتها، حين يَجُن القوم.
[1]سعد فنصة: حكمت الشهابي وزيارته الأخيرة الى دمشق- كلنا شركاء 12 أيار\مايو 2016.