أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اليوم تقريرها السنوي الخامس عن انتهاكات القوات الروسية منذ تدخلها العسكري المباشر في سوريا أيلول 2015، دعت فيه إلى فرض عقوبات أممية ودولية على روسيا لارتكابها جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في سوريا قتلت خلالها6859 مدنيا بينهم 2005 طفلا، واستهدفت207 منشآت طبية.
وذكر التقرير الذي جاء في 40 صفحة أن روسيا لطالما بررت تدخلها في سوريا بأنه جاء بطلب من النظام السوري المسيطر على الدولة السورية، ولكن التقرير أوضح أن هذا مجرد تضليل قانوني، فهناك اشتراطات حقوقية لصحة التدخل العسكري هي جميعها غير متحققة في الحالة السورية بحسب التقرير.
وأشار التقرير إلى أمرين رئيسين اعتبرهما من أبرز تلك الاشتراطات الحقوقية، أولهما أن لا يتم استخدام التدخل العسكري لارتكاب انتهاكات فظيعة مثل الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، منوهاً إلى أن كافة تقارير لجنة التحقيق الدولية المستقلة ذكرت تورط النظام السوري في ارتكاب جرائم ضدَّ الإنسانية وجرائم حرب منذ آذار/ 2011، إضافة إلى العشرات من تقارير المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، وعليه فإن التدخل الروسي العسكري إلى جانب النظام السوري يدخل ضمن سياق دعم الجرائم ضدَّ الإنسانية وجرائم الحرب بحسب التقرير، والأمر الثاني، أن القوات العسكرية الروسية متورطة بنفسها في ارتكاب العشرات من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وقد استمرت في ارتكاب الانتهاكات على نحو واسع ومدروس ومخطط على مدار السنوات الخمس.
يستعرض التقرير تحديثاً لحصيلة أبرز انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا في 30/ أيلول/ 2015 حتى 30/ أيلول/ 2020، واعتمد التقرير في إسناد مسؤولية هجمات بعينها إلى القوات الروسية على تقاطع عدد كبير من المعلومات وتصريحات لمسؤولين روس، إضافة إلى عدد كبير من الروايات، لا سيما الروايات التي يعود معظمها إلى عمال الإشارة المركزية.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“إن التدخل العسكري الروسي لصالح النظام السوري يُشكِّل وصمة عار في تاريخ روسيا الحديث، ودليل إضافي على مدى بربريتها ووحشيتها، فقد قامت بقصف أحياء سكنية ومسحت أحياء من على وجه الأرض دون أية رحمة، لا بدَّ من تكافل دول العالم لردع التوحش الروسي وفرض عقوبات سياسية واقتصادية عليها، وفضح ممارسات النظام الحاكم أمام الشعب الروسي، لعلنا نشهد فيها حراكاً جماهيرياً ينقلها نحو الحضارة والديمقراطية وحقوق الإنسان”.
قدَّم التقرير تسلسلاً زمنياً موجزاً عن الاستراتيجية الروسية خلال سنوات تدخلها العسكري المباشر وركَّز على الاستراتيجة العسكرية في العام الخامس، والتي رأى التقرير أنها اختلفت بحسب المناطق الجغرافية، ففي شمال غرب سوريا استمرت روسيا بشنِّ هجمات على خطوط التماس بين مناطق سيطرة النظام السوري ومناطق سيطرة المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني.
أما في المنطقة الشرقية فقد عمدت روسيا بحسب التقرير إلى محاولة التوغل بشكل أكثر فعالية وركَّزت جهودها على هدفين أساسيين، الأول دعم النظام السوري لاستعادة السيطرة على حقول النفط، والثاني إيقاف العملية العسكرية التركية “نبع السلام”.
كما أشار التقرير إلى فشل القوات الروسية في المنطقة الجنوبية، حيث تدهور الوضع الأمني ولم تفي روسيا بوعودها في الإفراج عن المعتقلين من أبناء المناطق الخاضعة لاتفاق تموز 2018 الذي أسفر عن تهجير الحاضنة الشعبية هناك إلى الشمال السوري، بل إن الاعتقالات استمرت وعمليات الخطف تصاعدت وازداد الوضع المعيشي سوءاً.
وبحسب التقرير فقد استخدمت روسيا العام المنصرم الفيتو ثلاث مرات من بين 16 مرة استخدمت فيها الفيتو منذ آذار/ 2011، وقد كانت هذه الاستخدامات الثلاثة ضد مشاريع قرارات تعمل على إعادة إحياء القرار رقم 2165 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في تموز/ 2014، والذي يُتيح للأمم المتحدة إدخال المساعدات عبر الحدود دون إذن النظام السوري.
وطبقاً للتقرير فإن القوات الروسية منذ نهاية عام 2018 لم تعد تقتصر على الهجمات الجوية، بل شاركت في بعض العمليات العسكرية البرية واستخدمت سلاح المدفعية والدبابات، مشيراً إلى وجود تقارير إعلامية تتحدث عن استجلاب روسيا لشركات أمنية ومرتزقة يقاتلون مقابل دخل مادي إلى جانب قواتها الأرضية واستعرض التقرير بيانات 3 شركات منها.
وذكر التقرير أن روسيا قامت منذ كانون الأول/ 2019، باستغلال من تبقى من المقاتلين السوريين في المناطق التي أجرت عمليات تسوية إجبارية مع النظام السوري عبر إغرائهم برواتب ضخمة وميزات منها إعفاؤهم من الخدمة الإلزامية في جيش النظام، مقابل نقلهم إلى ليبيا بهدف القتال إلى جانب قوات الجنرال خليفة حفتر، وذلك بعد أن جند النظام السوري الكثير منهم ضمن قواته، واعتقل وأخفى عدداً منهم.
وأشار التقرير إلى قيام النظام السوري بإصدار قوانين تمييزية لصالح روسيا مشيراً إلى عقود وقعتها وزارة النفط والثروة المعدنية وشركة ميركوري الروسية، التي استطاعت الحصول على ترخيص للتنقيب عن النفط في منطقة الجزيرة السورية وشمال نهر الفرات.
سجل التقرير مقتل 6589 مدنياً، بينهم 2005 طفلاً و969 سيدة (أنثى بالغة) على يد القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا في 30/ أيلول/ 2015 حتى 30/ أيلول/ 2020، وأوردَ توزعاً لحصيلة الضحايا على الأعوام حيث شهدَ العامان الأول والثاني للتَّدخل الحصيلة الأكبر من الضحايا، كما أشار التَّقرير إلى توزع حصيلة الضحايا بحسب المحافظات، حيث شهدت محافظة حلب الحصيلة الأكبر من الضحايا تلتها إدلب فدير الزور.
كما سجل التَّقرير ما لا يقل عن 354 مجزرة ارتكبتها القوات الروسية، وما لا يقل عن 1217 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية بينها 222 على مدارس، و207 على منشآت طبية، ذلك منذ تدخلها العسكري في سوريا حتى 30/ أيلول/ 2020.
وطبقاً للتقرير فقد قتلت القوات الروسية 69 من الكوادر الطبية و42 من كوادر الدفاع المدني، إضافة إلى 22 من الكوادر الإعلامية.
كما أورد التقرير إحصائية عن استخدام القوات الروسية للذخائر العنقودية، وقد بلغت ما لا يقل عن 236 هجوماً، إضافة إلى 125 هجوماً بأسلحة حارقة نفَّذتها القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا.
وجاء في التقرير أنَّ حجم العنف المتصاعد، الذي مارسته القوات الروسية كان له الأثر الأكبر في حركة النُّزوح والتَّشريد القسري، وساهمت هجماتها بالتوازي مع الهجمات التي شنَّها الحلف السوري الإيراني في تشريد قرابة 4.5 مليون نسمة.
أكَّد التقرير تورط النظام الروسي في دعم النظام السوري الذي ارتكب جرائم ضدَّ الإنسانية بحق الشعب السوري، عبر تزويده بالسلاح والخبرات العسكرية، وعبر التدخل العسكري المباشر إلى جانبه، موضحاً أنَّ دعم نظام متورط بجرائم ضدَّ الإنسانية يُشكِّل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي ويجعل النظام الروسي عرضة للمحاسبة، ومُشيراً إلى أن التدخل الروسي العسكري في سوريا هو تدخل غير قانوني وإن كان بطلب من النظام السوري، لأن هذا التدخل العسكري استخدم لاستمرار ارتكاب النظام لانتهاكات بحق الشعب السوري تشكل كثير منها جرائم ضدَّ الإنسانية وجرائم حرب، إضافة إلى ذلك فإن القوات الروسية نفسها متورطة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، فلهذين السببين معاً فإن التدخل مخالف للقانون الدولي بل هو تورط في الجرائم.
أوضح التقرير أن روسيا استخدمت الفيتو مرات عديدة على الرغم من أنها طرف في النزاع السوري، وهذا مخالف لميثاق الأمم المتحدة، كما أن هذه الاستخدامات قد وظَّفها النظام للإفلات من العقاب، وشكَّلت له حصانة مطلقة، وبالتالي فهي استخدامات تعسفية وتعارض حقوق الإنسان.
وأكد التقرير أن روسيا لم تفتح تحقيقاً واحداً على الرغم من آلاف عمليات القصف التي تسبَّبت في مقتل ما لا يقل عن 6859 مواطن سوري، وهذا يؤكد استهتارها بأرواح السوريين، ولأن النظام السوري لا يكترث بأرواحهم أيضاً ولا تهمه حمايتهم.
شملت توصيات التقرير مطالبة مجلس الأمن نقل المسألة السورية من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد فشل 9 سنوات في حماية المدنيين وفي إنهاء النزاع السوري.
وحثَّ التقرير المجتمع الدولي على العمل على تشكيل تحالف دولي حضاري خارج نطاق مجلس الأمن يهدف إلى حماية المدنيين في سوريا من الهجمات الروسية وهجمات النظام السوري تجنباً للفيتو.
وقدم التقرير توصيات إلى كل من المفوضية السامية لحقوق الإنسان والمبعوث الأممي إلى سوريا والدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي وطالب التقرير النظام الروسي بالتوقف عن دعم النظام السوري الحالي والاعتذار للشعب السوري عن كافة الانتهاكات التي مارستها القوات الروسية، ودعم عملية انتقال سياسي حقيقي بعيداً عن العائلة الحاكمة وأجهزة الأمن المتوحشة وهو السبيل الوحيد للوصول إلى الأمن والاستقرار وإعادة البناء.