لم توافق الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي على اتخاذ إجراءات عزل الرئيس دونالد ترامب، بالرغم من إدانة الكونغرس قبل يومين لتغريداته عبر تويتر، واستهدفت أربع نائبات من أصول ملونة ينتمين للحزب الديمقراطي، مستخدما لهجة عدائية وصفت بأنها “عنصرية”.
وكان دونالد ترامب قد دعا في تغريدات، أثارت لغطا كبيرا داخل وخارج الولايات المتحدة، النائبات – ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، إلهان عمر، رشيدة طليب، وأيانا بريسلي، وجميعهن مواطنات أمريكيات – إلى “العودة” من حيث أتين. وتساءل بلهجة تهكمية: “لماذا لا يعدن ويساعدن في إصلاح الأماكن الفاشلة التي أتين منها حيث تتفشى الجريمة؟”
وقوبلت التغريدة بإدانة واسعة من مسؤولين في الحزب الديمقراطي المعارض ووصفوها بأنها “عنصرية تضفي الشرعية على الخوف وتذكي الكراهية بين الأمريكيين الجدد والأمريكيين من ذوي البشرة السمراء”.
وفي اليوم التالي استمر التراشق على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بين الرئيس والنائبات. ونفى ترامب أن يكون لديه أي ميول أو شعور عنصري، واشتكى مما أسماه النزعة “اليسارية” للنائبات الديمقراطيات واتهمهن بمعاداة اسرائيل وكراهية الولايات المتحدة ودعاهن الى مغادرتها إذا لم تعد لهن رغبة في العيش في مجتمعها.
وردت إحدى النائبات بتغريدة على تويتر جاء فيها “سيدي الرئيس… قد لا يكون لكم شعور عنصري لكن داخل جمجمتك يوجد مخ عنصري وداخل صدرك يوجد قلب عنصري أيضا”
ووصف ترامب محاولات مجلس النواب إقرار إجراءات لعزله بأنها “سخيفة” وغرد قائلا “لا ينبغي أن يحدث هذا على الإطلاق لأي رئيس أمريكي آخر.” وفي تجمع خطابي في ولاية نورث كارولاينا ردد أنصاره عبارات “أرسلها إلى من حيث أتت” في إشارة الى إلهان عمر النائبة الديمقراطية التي استقرت مع والديها الصوماليين في الولايات المتحدة وسنها لا يتجاوز عشر سنوات.
وكان النائب الديمقراطي عن ولاية تكساس آل غرين وراء طرح مقترح عزل الرئيس لكن قيادة الحزب الديمقراطي، على ما يبدو، فضلت التريث الى أن يكتمل وضع ملف قوي يشمل براهين دامغة ضد الرئيس تجعل من احتمال عزله واقعا حتميا. وقالت رئيسة مجلس النواب الأمريكي القيادية الديمقراطية نانسي بلوسي “لدينا ست لجان تتولى جمع وتدوين حقائق ووقائع ذات صلة بالرئيس في مجالات استغلال النفوذ وعرقلة سير العدالة.”
في المقابل لا يبدو أن الرئيس ترامب يكترث لمحاولات محاسبته أيا كان مصدرها في الوقت الراهن. فالقوة الدافعة لمواقفه هي رغبته الجامحة في إعادة انتخابه لولاية ثانية. وهو يعلم أنه لن يتأتى له ذلك إلا إذا فتك بخصومه الديمقراطيين عبر النيل من سمعتهم أمام الرأي العام الداخلي وإن بالتضليل والترويج لمعلومات زائفة أحيانا.
وتحقيقا لهذا الهدف يرى الكاتب العربي صبحي غندور مدير مركز الحوار العربي في واشنطن أن تغريدات الرئيس ترامب ليست “زلات لسان” ولا هي عشوائية بل مواقف محسوبة تدخل ضمن استراتيجية، الهدف منها تحصين نفسه من محاولات العزل وتجييش أنصاره لحملات إعادة انتخابه لفترة أربع سنوات أخرى نهاية العام القادم.
ويقول غندور في تقرير تحليلي، نشره على موقع مركز الحوار العربي، إن ترامب يعتمد في تحقيقه للغايتين على خمس قوى فاعلة في الساحة السياسية الأمريكية. فهناك ” قاعدته الشعبية، وهي مزيج من الأنجيليكيين المحافظين والجماعات الشعبوية العنصرية الحاقدة على الأفارقة واللاتينيين والمسلمين. يضاف اليهما دعم “قوتين ضاغطتين في الحياة السياسية الأميركية: لوبي الأسلحة واللوبي الإسرائيلي”. هذا علاوة على مساندة “عدد كبير من الشركات والمصانع الكبرى التي تستفيد من برامج وسياسات ترامب الداخلية والخارجية.”
ويخلص غندور في تحليله الى أن “مشاعر التمييز العنصري والتفرقة على أساس اللون أو الدين أو الثقافة تزداد الآن في أمريكا من جديد… بحيث أصبحت تهدد وحدة أي مجتمع وتعطل أي ممارسة ديمقراطية سليمة. وإذا استمرت هذه الحالات، فإن عناصر القوة المجتمعية الأميركية مهددة بالانهيار وبالصراعات الداخلية.”
BBC