النظام السوري يسرق حوالات المغتربين..ثلاثة أسعار للصرف

نور عويتي
جريدة المدن الإلكترونية

بعد أن شن النظام السوري حملته على الصرافين لوقف تدهور سعر العملة، بحسب ما أشيع عن سبب الحملة، انتقل إلى المرحلة الثانية من سرقة أموال السوريين، وهذه المرة اختار المسّ مباشرة بتحويلات المغتربين السوريين إلى ذويهم.

وأعلن مصرف سوريا المركزي، في بيان نشره عبر موقعه الرسمي بتاريخ 21 يناير 2020، عن ضرورة تعامل المواطنين مع القنوات المصرفية الرسمية وعدم التعامل مع السوق السوداء بتصريف العملات الأجنبية، وذلك بعد أن أشار في بيانه إلى العقوبات الجديدة الصارمة التي ينص عليها المرسومان رقم 3 ورقم 4، اللذان أصدرهما الرئيس الأسد سنة 2020.
 
حاول مصرف سوريا المركزي تحفيز المواطنين على التخلي عن النقد الأجنبي الذي يملكونه من خلال طرح سعر الصرف التفضيلي بالبيان ذاته، والذي تم تحديد قيمته ب700 ليرة للدولار، على أن يتم نشر قيمة سعر الصرف التفضيلي بشكل يومي على موقع مصرف سوريا المركزي. ويجب الإشارة هنا إلى أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء قد تخطى في تاريخه حاجز الـ1100 ليرة سورية.
لكن ما الذي يعنيه سعر الصرف التفضيلي؟ وما الفرق بينه وبين سعر صرف الحوالات، الذي تم تثبيت قيمة الدولار فيها بسعر 434 منذ فترة طويلة؟ ولماذا يقوم مصرف سوريا المركزي بنشر سعرين متباينين يحددان قيمة الدولار؟ 


سعر صرف الحوالات المصرفية

الحوالات التي يرسلها المغتربون إلى ذويهم يحصل النظام السوري على أتاوة منها، تتحدد قيمتها من خلال الفارق ما بين سعر الصرف بالسوق السوداء وسعر الصرف في مصرف سوريا المركزي، الذي يتسلم الحوالات بالدولار أو اليورو، ويسلّم المواطنين قيمتها (التي يحددها) بالليرة السورية. وقد وصلت أتاوة النظام في الأيام الأخيرة من الشهر الماضي إلى 720 ليرة سورية عن كل دولار، ليكسب من حوالات المغتربين ما يقارب ثلثي قيمتها.
ولأن النظام السوري يرغب بالاستفادة القصوى من الفوارق التي يتسبب بها ما بين أسعار صرف العملات الأجنبية، فإنه قام مؤخراً بملاحقة شركات الصرافة غير المرخصة، وذلك بعد أن قام العام الماضي بإغلاق شركات صرافة مرخصة، أبرزها: “آراك” و”إرسال” و”الحافظ”. 
وامتداداً لهذا السياق يمكن قراءة القرار الأخير، الذي حدد فيه سعر صرف مختلف، أي التفضيلي؛ فهو ليس سوى محاولة لإيهام المواطنين الذين تمكنوا من تهريب العملة الصعبة إلى الداخل بوجود بعض الامتيازات القانونية الجديدة، لعلهم يظنون بأنهم  يكسبون 267 ليرة سورية إضافية مقابل كل دولار يملكونه في الداخل، وذلك إذا ما قارنوا بين سعر صرف الحوالات والسعر التفضيلي. مع العلم أن المواطن السوري يخسر بكل دولار يصرفه بالسعر التفضيلي أكثر من 350 ليرة؛ أي أن النظام يحصل على ثلث القيمة كأتاوة.


حلول بديلة

الأتاوات التي يفرضها النظام على حوالات المغتربين دفعت عدداً كبيراً من السوريين للتفكير بحلول بديلة  تقلل من نسبة خسارتهم في الأموال المحولة. وفي السنوات الماضية كانت نسبة كبيرة من المغتربين السوريين يرسلون الأموال لذويهم عن طريق لبنان؛ حيث أن عدداً كبيراً من السوريين كانوا يسافرون إلى لبنان، أو يكلفون معارفهم، لتسلم حوالاتهم عن طريق الـ”ويسترن يونيون”، حيث يمكنهم تسلمها بسهولة بالدولار أو بالليرة اللبنانية من خلال إبراز هويتهم الشخصية من دون أي تعقيدات أمنية. إلا أن الأحداث الأخيرة في لبنان  الاقتصادية جعلت الامور أكثر تعقيداً.
وفي المناطق التي يوجد فيها جالية كبيرة من السوريين، مثل تركيا وألمانيا، أنشئت مكاتب صرافة سرية خاصة بالسوريين، تقوم بتحويل الأموال إلى مناطق سيطرة النظام بسعر الصرف في السوق السوداء، ويتم الاستلام عن طريق عملاء لهم في الداخل السوري. 
وهذه المكاتب السرية تتقاضى عمولة تتراوح بين 2-5 في المئة، وتكتفي تلك المكاتب بصورة لهوية الشخص لتسليم المبلغ، حسب موقع  “اقتصاد مال وأعمال السوريين”. ولكن المشكلة بهذه الطريقة أن بعض تلك الشركات غير موثوقة، حيث كان عدد كبير من السوريين ضحايا نصب واحتيال هذا النوع من الشركات. 
ويقول مصدر يعيش في برلين ل”المدن”: “هناك العديد من المكاتب والأشخاص السوريين الذي يعملون في قطاع تحويل الأموال من ألمانيا إلى الداخل السوري، وهناك العديد من الأشخاص المقربين مني يرسلون حوالات إلى أهلهم في دمشق بشكل شهري عن طريق بعض مكاتب الصرافة التي تدار من دون علم الدولة، ولكن يجب الحذر من المكاتب الجديدة والأشخاص غير الموثوقين، فكان لي تجربة مع أحدهم، حيث عرض علي أخذ عمولة ضئيلة، واحد بالألف على قيمة الحوالة، إلا أن الحوالة لم تصل لأهلي، ولم يكن بإمكاني اتخاذ أي إجراء قانوني لمحاسبة المسؤول عن ذلك، لكون عملية التحويل غير قانونية”.
ومن الحلول التي لجأ إليها البعض في الأشهر الأخيرة هي تحويل الأموال عن طريق وسيط يعيش في بلد لا يفرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري، مثل مصر، ليتسلم الحوالة ويصرّفها ويعيد إرسالها إلى سوريا  بعملة بلده. 
وقال أحد المصادر ل”المدن”: “بدأنا مؤخراً نعتمد على وسيط يعيش في مصر لتحويل المال إلى سوريا، وذلك لأنه ليس هناك فرق كبير ما بين سعر صرف الجنيه المصري والليرة السورية في السوق السوداء والمصرف المركزي، كما هو الحال بالنسبة لليورو أو الدولاد. فهذه العملية تقلل من حجم الخسارة، فيصل من الحوالات ما يزيد عن ثلثي قيمتها عن طريق مصر، في حين أنه لا يصل سوى ثلث قيمتها عن طريق التحويل المباشر”.الأجندة الأمنية للحوالات الماليةعدا عن الخسارة المالية التي تنفّر المواطنين من تسلم الحوالة المالية عن طريق المكاتب النظامية، فإن الرقابة الأمنية على تلك الحوالات المالية تبعث على الرعب والقلق من التعرض لأي مساءلة قانونية، حيث تخضع تلك الحوالات لرقابة أسبوعية من قبل الأجهزة الأمنية، ويتم إرسال تقارير بأسماء المواطنين والمبالغ التي يتلقونها ومصدرها. 
وفي حال شكًت الجهات الأمنية بأي حوالة، فإن متسلمها سيتعرض للمساءلة القانونية. وقال مصدر من داخل أحد مكاتب الحوالات في دمشق ل”المدن”، إنه “لإستلام أي حوالة مالية يتجاوز قدرها المليون ليرة سورية يجب على المواطن أن يتقدم بطلب مرفق بصورة هويته الشخصية وبيان لا حكم عليه وإخراج قيد سكن نظامي موقّع من مختار منطقته، بالإضافة لفاتورة كهرباء جديدة تثبت أن المواطن ملتزم بواجباته تجاه الدولة”. 
ويجب أن يُذكر في الطلب سبب تحويل المبلغ له وصلة القرابة التي تجمعه بالشخص الذي حول له المبلغ. وإضافةً إلى ذلك يجب أن يذكر بعض المعلومات عن طبيعة عمله ودخله الشهري. وبعد تقديمه للطلب، تتم دراسة وضعه الأمني والموافقة له على سحب المبلغ.
يبدو أن انهيار قيمة الليرة السورية، وارتفاع سعر الدولار من 500 ليرة إلى 1100، قد جاء لتلبية تطلعات النظام بزيادة الاستفادة من أموال المغتربين، فحافظ على سعر الصرف في مصرف سوريا المركزي لتتضاعف قيمة الأتاوة التي يجنيها.

عن جريدة المدن الإلكترونية


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية