بعد أسبوعين على تسلم شركة روسة لمرفأ طرطوس، بموجب عقد إيجار لمدة 49 عاماً، بدأ الخلاف يظهر حول طريقة التعامل الوظيفي مع عمال المرفأ، بحسب مراسل “المدن” فادي الخوري.
ويعود الخلاف إلى اعتماد الروس مبدأ “التشغيل بالعقود”، في حين يطالب النظام بضرورة التعاطي مع الموظفين وفق حالتهم الوظيفية السابقة والتي يخضعون بموجبها لقانون العمل الأساسي المعمول به في سوريا لموظفي القطاع العام.
وتفجر الخلاف اثر استدعاء شركة “تي اس جي انجنيرينغ” الروسية، للعمال والموظفين السوريين، بوجود شركة “صدى” الوسيطة، ليتم إبلاغهم بضرورة إبرام عقود جديدة مع الشركة الروسية بوصفها المستثمر الفعلي للمرفأ. وأثار ذلك خشية العمال والموظفين من عدم إبرام عقود معهم، أو الاستغناء عن خدماتهم نهائياً.
المحظوظون من الموظفين، ممن شملتهم العقود الجديدة، سيتم التعامل معهم بوصفهم خاضعين للقانون الناظم لعمال القطاع الخاص 17/2010. ما سيحرمهم من امتيازات القطاع العام، بالإضافة إلى إمكانية الاستغناء عنهم لاحقا وعدم تجديد العقود لهم.
ورغم هذا الواقع المحرج للنظام أمام شريحة من حاضنته، وما يترتب عليها من إشكالات مطلبية وإدارية لاحقة، فقد غابت العنجهية المعهودة لدى النظام في التعامل مع المستثمرين الخارجيين. إذ اقتصر رده على إطلاق تصريحات تذكّر الجانب الروسي بشروط الاتفاق، وتطلب منه عدم الإخلال بها، من دون توجيه أي إنذار. إلا أنه من المستبعد أن تتراجع الشركة الروسية عن إجراءاتها التي دخلت حيز التنفيذ.
وفي الوقت الذي أعلن فيه رئيس اتحاد عمال طرطوس، انه “لن يسمح بالمس بحقوق العمال”، أكد العديد منهم أنهم اضطروا إلى إبرام “عقود إذعان” مع الشركة الروسية، ومُنعوا من تسلم نسخة من العقد الخاص بهم، كما منعوا من تصويره أيضاً. والعقود الموقعة خالية من قيمة الرواتب والأجور.
من جهته، اكتفى رئيس نقابة عمال المرفأ، بدعوة العمال الـ3600، الدائمين والمؤقتين، إلى الامتناع عن توقيع العقود، معتبرا أنها مخالفة لشروط الاتفاق مع الجانب الروسي، خصوصا أنه يتم إجبار العمال على تقديم إجازة بلا أجر، كشرط قبل توقيع العقود، داعياً “من يهمه الأمر” إلى التدخل لتصويب الحال.
وكانت الشركة وفق دراسة قديمة نشرتها “روسيا اليوم”، قد كشفت حال الترهل الوظيفي والعمالي في المرفأ وخضوعه للبطالة المقنعة السائدة في سوريا. فالمكان الذي يحتاج إلى عامل واحد فيه ستة عمال. وطرحت في أحد حلولها إبقاء 36% من العمال على رأس عملهم وتحويل الباقي إلى مؤسسات النظام أو إحالتهم إلى التقاعد المبكر.
الشركة الروسية أعلنت فور تسلمها المرفأ في 9 تشرين أول، أنها لا تعترف بجميع العقود المبرمة قبل هذا التاريخ، ومنها عقود الإيجار السابقة مع الشركات أو التجار أو الأفراد.
من جهتهم، لم يلحظ التجار المتعاملون مع المرفأ أي تغيير ايجابي في أنظمة التعامل معهم ومع بضائعهم بعد تسلم الروس للإدارة، بل أعربوا عن دهشتهم الكبيرة من سرعة انخراط الروس في شبكات الفساد، وطلب الرشاوى التي زادت قيمتها لوجود وسطاء جدد ومترجمين أيضاً.
وتتوزع نسب الرشاوي الجديدة وفق حصص مغايرة، يستحوذ فيها الروس على 75%، ويعود الباقي للوسطاء المحليين والموظفين المرتبطين بالإجراءات التابعة لكل عملية على حدة.
التداعيات السلبية على عمال المرفأ ليست الأولى، فقد سبقتها تداعيات عمال معمل الأسمدة في حمص، عندما استعانت الشركة الروسية المستثمرة بالشرطة العسكرية الروسية لضرب العمال واعتقالهم عند أول حركة احتجاج مطلبية، من دون أي رد للنظام.
كذلك لن تكون الأخيرة في ظل توجه النظام إلى بيع وتأجير وخصخصة القطاع العام لجهات داخلية وخارجية تحت مسميات الاستثمار أو التشاركية، غير أنها في كل الأحوال ستزيد من عمق أزمة النظام وتوسع الشرخ مع قاعدته الاجتماعية المرهقة أصلاً بفعل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة وتآكل فرص العمل.