ليس غريباً أمر المساعي الروسية الحثيثة للاستحواذ على الموانئ المهمة والاستراتيجية على الساحل السوري والإمساك بها أو حتى هيمنة أذرع قوتها الاقتصادية والاستثمارية على “مطار دمشق”، أكبر المطارات السورية المدنية، مع مشاطرة روسيا دولاً أخرى حليفة للنظام السوري أبرزها إيران، دخولها مجال الاستثمار في قطاعات النقل والطاقة والنفط والسكك الحديدية والكهرباء أيضاً. إلاّ أنّ الأمر المثير للدهشة هو الإصرار الروسي على التفرد باستثمار مناجم الفوسفات وإعادة تأهيل المنشآت المتوقفة. وأبدى خبير في مجال الثروة المعدنية، فضّل عدم الكشف عن اسمه لـ “اندبندنت عربية” استغرابه من تفرد الشركات الروسية بهذه المادة الاستراتيجة وإمساكها بامتيازاتها، على الرغم من أن روسيا تحتل الترتيب الرابع في الإنتاج العالمي.
ميزات الفوسفات السوري أنه صديق للإنتاج الزراعي ويخلو من الملوثات المؤثرة في المنتج الزراعي
لغز الاستخراج
ورأى الخبير السوري أن “النفط والطاقة من أبرز القطاعات التي دخلت روسيا الاتحادية فيها كمستثمر. ومن الملاحظ أنها انفردت بالفوسفات أخيراً وتضرب طوقاً محكماً لمنع دخول أي شريك جديد، سوى الدولة السورية إلى جانب كسبها حصرية إنتاجه بعقود طويلة الأمد”.ولا تتوقف موسكو عن مواصلة مساعيها لاستخراج مزيد من الفوسفات بعد تحرير أكبر المناجم في البادية السورية عام 2017 من أيدي تنظيم “داعش” الذي سيطر على حقول الطاقة عام 2014 والتي تنوّعت بين حقول نفط وغاز وفوسفات.
القبول بالشروط
مقابل ذلك، يبدي خبير الثروة المعدنية أسفه، نظراً إلى أنه ليس أمام دمشق إلاّ المصادقة والقبول بالشروط الروسية التي تصفها على الدوام بـ”الشركات الصديقة”، كي تتمكن من إعادة العمل في ما دُمِر من منشآت وتأهيلها مجدداً، بخاصة في ظل الحصار العالمي المفروض على رجال النظام وشركاته، تحديداً العقوبات الأميركية والأوروبية، وسط صعوبة تأمين قطع الغيار أو المعدات الصناعية اللازمة. وأضاف أن “أهمية الفوسفات السوري تأتي من احتياطه، إذ يحل في المرتبة الثانية بعد المغرب”.
من جهتها، تبنت حكومة النظام خططاً عدّة، تنحو في اتجاه تقديم الدعم لإنتاج الفوسفات وتصدير الفائض منه. وأوضحت مصادر مأذونة أن لجاناً اقتصادية وضعت خططاً تنافسية ومنها إنشاء معامل جديدة، بدلاً من تصدير الإنتاج خاماً.
وذكر المصدر أن من ميزات الفوسفات السوري أنه صديق للإنتاج الزراعي ويخلو من الملوثات المؤثرة في المنتج الزراعي، إضافةً إلى خلوّه من الشوائب. ويُعد الفوسفات السوري منافساً قوياً في الأسواق الخارجية. وقبل عام 2011، كانت سوريا الدولة الخامسة عالمياً، المصدِرة لتلك المادة إلى دول الجوار وأسواق أوروبية.
انفراد روسي
لغز روسي دأب كثيرون على فك شيفراته وأسراره، وحاولوا فهم سعي الشركات الروسية بإصرار إلى الانفراد بإنتاج الفوسفات إلى جانب الشركات الحكومية السورية. ووصل تمدد الشركات الروسية المتخصصة إلى حد مصادقة مجلس الشعب السوري في مارس (آذار) 2018 على اتفاق بين المؤسسة الحكومية للجيولوجيا والثروة المعدنية وشركة “ستروي ترانس غاز” الروسية، أعطى الأخيرة حق الاستثمار مدة 50 سنة في مناجم تدمر – البادية السورية، أكبر المناجم في سوريا. وتحصل الشركة الروسية بموجب الاتفاق على 70 في المئة من الإنتاج، فيما تبلغ حصة النظام 30 في المئة. وشرّع الاتفاق الباب أمام دخول مزيد من الشركات الروسية.
وأعلن نائب رئيس الوزراء الروسي في سبتمبر (أيلول) الحالي، أن بلاده تعتزم إنشاء مشغل واحد لتطوير “حقل الفوسفات السوري الكبير”، قائلاً للصحافيين “نعمل على تطوير الحقل وتسليم الفوسفات المعالج إلى دول أخرى تنتظر هذه المنتجات”.
تناقض مفضوح
وأفادت مصادر اقتصادية عن لقاء في سبتمبر الحالي، جمع في غرفة تجارة دمشق، وفداً من جنوب أفريقيا ضمّ سولومزي مهلانا، القائم بأعمال سفارة جنوب أفريقيا، ورئيس غرفة تجارة دمشق محمد غسان القلاع. وطلبت السفارة استيراد ثلاث مواد من الإنتاج السوري من بينها الفوسفات، إضافةً إلى زيت الزيتون والحمضيات.
كما استفسر القائم بأعمال سفارة جنوب أفريقيا من إدارة الغرفة إذا كان الفوسفات السوري من بين المواد الخاضعة للعقوبات الدولية على دمشق بعد تأكيد اهتمام بلاده ورغبتها في الحصول على كميات كبيرة منه واستخدامها كسماد للأراضي الزراعية.
وأثار قرار الحكومة السورية استيراد 75 طناً من السماد الأزوتي و25 طناً من السماد الفوسفاتي، تساؤل كثيرين عن الأسباب إضافةً إلى انتقاد خبراء اقتصاديين، ما دامت سوريا تُعد في المراتب الأولى بالإنتاج والتصدير والاحتياطي لتلك المادة.