كانت زيارتي الأولى لإمارة أبو ظبي، قبل تشكل الإتحاد الإماراتي، بتكليف رسمي من الشاه محمد رضا بهلوي، لاعداد تقرير عن وضع هذه الإمارة، والظروف المحيطة بحاكمها الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان وشقيقه ولي العهد الشيخ زايد.
وصلت الى مطار أبو ظبي على متن طائرة عسكرية إيرانية أقلعت بي من مطار طهران يوم السابع والعشرين من شهر أيار – مايو من العام 1966، ولم يكن هناك مطارا بالمعنى الحرفي للكلمة .. بل مدرج رملي .. بدائي ..
وجدت في استقبالي الكولونيل “هيو بوستيد” المندوب البريطاني في امارة أبو ظبي، الذي أقلني بسيارته العسكرية الى قصر الشيخ شخبوط المسمى بالحصن الذي لم يكن سوى قلعة صغيرة من طابقين مبنية من اللبن. ( تحولت فيما بعد الى متحف).
استقبلني الشيخ شخبوط رحمه الله وهو يبادرني بكم وافر من الأسئلة، كانت بمجملها على جانب كبير من الذكاء. من بين أسئلته الكثيرة : مالذي رمى بي الى طهران..؟ ولماذا غادرت بلدي سورية؟ ومالذي أفعله عند الشاه الإيراني؟ ثم سألني كم ولدا أنجبت…؟
أجبته بصراحة وبساطة عن أسئلته، وحكيت له معاناتي مع عهود الحكم المتقلبة في سورية، في دمشق وبيروت والقاهرة، وما حصل لي من عنت الحكام حتى وجدت نفسي أخيرا مستشارا للشؤون العربية في بلاط الشاه الإيراني دون أن استفيض في تبيان مهمتي الأساسية وهي لقاء شقيقه الأصغر الشيخ زايد أمير منتجع العين في ذلك الوقت من التاريخ.
غادرني لبرهة من الزمن حين صعد الى غرفته العلوية، وأحضر لي هدية ثمينة للغاية ابهرتني حقيقة.. ساعة سويسرية الصنع رصعت بأحجار الألماس الحقيقي. وقال الشيخ شخبوط : لقد أُهدِيَّت الي هذه الساعة قبل أيام، وأنا بعد أن بلغت من العمر ما بلغت، لا أتحلى بالشجاعة لارتداء مثل هذه الساعات المزوقة بالألماس، إنها تليق في يد شاب مثلك. شكرته بامتنان على كرمه، واذكر أنني في زمن مضى مررت بضائقة مالية اضطررت لبيعها، فشكلت هذه الساعة ثروة حقيقية في ذلك الوقت.
غادرت امارة ابوظبي، متوجها الى العين حيث استقبلني الشيخ زايد رحمه الله، وجال بي في شوارع العين المنظمة، ووجدت أنه قد أنشأ المدارس وشق الطرق وجلب المياه النظيفة وأحسن تنظيم مدينته الصغيرة، كما لحظت عناية خاصة بالحدائق والساحات، وقد استورد لمدينته بذور أزهار التوليب من هولندا وبدأ بزراعتها بيديه … الواقع أني وجدت ذهنا ألمعيا ونشاطا خلاقا لهذا الحاكم شبه الأمي، ولكنه كان انسانا متنورا وبالغ التحضر.
خلال استقباله في مضافته سألني عن مهمتي فبينتها له بأنها من الشاه شخصيا، وقلت له بأنه يدعم توجهاتكم بالانفتاح على تحويل هذه الصحراء المبشرة بالاكتشافات النفطية الوفيرة بما يثمر عن تغيير حتمي في إدارة الحكم القديم، ربما في الأسابيع والأشهر القادمة. قال الشيخ زايد بعد أن انفرجت أساريره، أنا أَصْلَحْ من أخي الشيخ شخبوط.. العجوز .. بعد أن بلغ من عمره ما بلغ..أنا أصلح يا نذير لا تنس أن تبلغ الشاه بذلك.
عندما عدت الى طهران قدمت تقريري بالزيارة الى الشاه، مبينا فيها ملاحظاتي التي دققت فيها قبل تدوينها، الشيخ زايد يمتلك من الإتزان ورجاحة العقل والإعتدال بما يؤهله لأن يكون خليفة شقيقه الشيخ شخبوط. إضافة الى الرسالة القصيرة من الشيخ زايد آل نهيان الى الشاه رضا بهلوي.
بعد أن قرأ الشاه التقرير، قابلته في اليوم التالي، فأشار الي بإتمام المهمة وأنه اتخذ قراره .. بعزل الشيخ شخبوط وتنصيب الشيخ زايد، وأن المطلوب مني السفر فورا الى لندن للتحضير للانقلاب الشيخ زايد في وزارة المستعمرات البريطانية. كما حصل خلال الشهر التالي وتحديدا في السادس من آب – أغسطس 1966 .
ينهي نذير فنصة دفاعه عن دوره في هذا الانقلاب في تسجيل صوتي سجلته عنه، بأنه ساهم في تحويل احدى أكثر البلدان العربية تأخرا الى أكثرها مدنية وتطورا خلال حكم الشيخ زايد.
( الصورة نذير فنصة في مطار طهران عام 1976 خلال مراسم استقبال الشيخ زايد مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، ويبدو في الخلفية أمير عباس هويدا رئيس وزراء ايران الذي أعدمه الخميني عام 1979)